بين الآيتين بأن يأخذوا المال عن المورِّث بالوصية ، وبالميراث إن لم يوص ، أو ما بقى بعد الوصية ، لكن منع من ذلك هذا الحديث والإجماع. (١)
أقول : أمّا الإجماع ، فغير متحقّق ، وكيف يكون كذلك مع أنّ أئمة أهل البيت ـ كما سيوافيك ـ اتّفقوا على جوازه وكذلك فقهاء الإمامية طوال القرون وهم ثلث المسلمين ، وبعض السلف كما يحدّث عنه صاحب المنار ، وأمّا الحديث فسيوافيك ضعفه ، وأنّه على فرض الصحّة سنداً ، قابل للتأويل والحمل على ما زاد الإيصاء عن الثلث.
الثاني : إنّ ادّعاء النسخ أو التخصيص في الآية ، بآية المواريث ، متوقّف على تأخّر الثانية عن الأُولى وأنّى للقائل بهما إثباته؟! بل لسان آية الوصية بما فيها من التأكيد لأجل الإتيان بلفظ (كُتِبَ) وتوصيفه بكونه حقّاً على المؤمنين يأبى عن كونه حكماً مؤقتاً لا يدوم إلاّ شهراً أو شهوراً.
قال الإمام عبده : إنّه لا دليل على أنّ آية المواريث نزلت بعد آية الوصية هنا فانّ السياق ينافي النسخ ، فانّ الله تعالى إذا شرّع للناس حكماً وعلم أنّه مؤقت وأنّه سينسخه بعد زمن قريب ، فانّه لا يؤكّده ولا يوثّقه بمثل ما أكّد به أمر الوصية هنا من كونه حقّاً على المتّقين ومن وعيد لمن بدّله.
ثم قال : وبإمكان الجمع بين الآيتين إذا قلنا إنّ الوصيّة في آية المواريث مخصوصة بغير الوارث بأن يخصّ القريب هنا بالممنوع من الإرث ولو بسبب اختلاف الدين ، فإذا أسلم الكافر وحضرته الوفاة ووالداه كافران ، فله أن يوصي لهما بما يؤلّف به قلوبهما. (٢)
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن : ١ / ٢٦٣.
(٢) تفسير المنار : ٢ / ١٣٦ ـ ١٣٧.