إذ من المحتمل جداً أنّ الرسول ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ذكر قيداً لكلامه ، ولم يسمعه الراوي أو سمعه ، وغفل عن نقله ، أو نقله ولم يصل إلينا وهو أنّه مثلاً قال : «ولا تجوز وصية للوارث» إذا زاد عن الثلث أو بأكثر منه ، كما ورد كذلك من طرقنا ، وطرق أهل السنّة. وقد عرفت : أنّ الدارقطني نقله عن الرسول الأكرم بهذا القيد. (١) وقد ورد من طرقنا عن النبي الأكرم أنّه قال في خطبة الوداع : «أيّها الناس إنّ الله قد قسّم لكلّ وارث نصيبه من الميراث ، ولا تجوز وصية لوارث بأكثر من الثلث».
(٢) وبعد هذه الملاحظات لا يبقى أيّ وثوق بالرواية المنقولة بالصورة الموجودة في كتب السنن.
أضف إلى ذلك : أنّ الإسلام دين الفطرة ، ورسالته خاتمة الرسالات ، فكيف يصحّ أن يسد باب الإيصاء للوارث ، مع أنّه ربّما تمسّ الحاجة إلى الإيصاء للوارث ، بعيداً عن الجور والحيف ، من دون أن يثير عداء الباقين وحسد الآخرين كما إذا كان طفلاً ، أو مريضاً ، أو معوّقاً أو طالب علم ، لا يتسنّى له التحصيل إلاّ بعون آخرين.
كل ذلك يدعو فقهاء المذاهب في الأمصار ، إلى دراسة المسألة من الأصل عسى أن يتبدّل المختلف إلى المؤتلف والخلاف إلى الوفاق بفضله وكرمه سبحانه.
قد عرفت أنّ مصدر الحكم عند القوم هو الروايات التي تعرفت على ضعفها ومقدار دلالتها ، وربّما يستدلّ بوجه غريب : انّ المال حينئذ صار للورثة ، فحكم الموصي فيما استحقوه بالميراث باطل ، لقول رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : «إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام» فليس لهم إجازة الباطل ، لكن إن أحبوا أن
__________________
(١) لاحظ الرقم ١٤ ممّا سلف وفيه : فلا يجوز لوارث وصية إلاّ من الثلث.
(٢) تحف العقول : ٣٤.