يُذكر أن الرأي الذي كان سائداً بين المحدّثين هو قدم القرآن أو عدم حدوثه ولكنّهم اتّقوا واعترفوا بخلق القرآن ، وهذا هو نفس التقية التي يعمل بها الشيعة ، وقد مارسها المحدِّثون في عصر المأمون.
وهناك رسالة أُخرى للمأمون إلى إسحاق بن إبراهيم رئيس الشرطة ، وممّا جاء فيها : وليس يَرى أمير المؤمنين لمن قال بهذه المقالة (القرآن ليس بمخلوق) حظاً في الدين ولا نصيباً من الإيمان ....
فلما جاءت الرسالة إلى إسحاق بن إبراهيم أحضر لفيفاً من المحدّثين ربما يبلغ عددهم إلى ٢٦ فقرأ عليهم رسالة المأمون مرتين حتّى فهموها ثمّ انّ إسحاق دعا بهم رجلاً رجلاً فأجاب القوم كلّهم واعترفوا بانّ القرآن مخلوق إلاّ أربعة نفر منهم :
أحمد بن حنبل ، وسجادة ، والقواريري ، ومحمد بن نوح المضروب ، فأمر بهم إسحاق بن إبراهيم فشُدُّوا في الحديد ، فلما كان من الغد دعا بهم جميعاً يساقون في الحديد فأعاد عليهم المحنة فأجابه سجادة إلى أنّ القرآن مخلوق فأمر بإطلاق قيده وخلّى سبيله وأصرّ الآخرون على قولهم.
فلما كان من بعد الغد عاودهم أيضاً فأعاد عليهم القول ، فأجاب القواريري بأنّ القرآن مخلوق فأمر بإطلاق قيده وخلّى سبيله ، وأصرّ أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح على قولهما ولم يرجعا فشدّا جميعاً في الحديد ووُجِّها إلى طرسوس وكتب معهما كتاباً بإشخاصهما.
ثمّ لما اعتُرض على الراجعين عن عقيدتهم ، برّروا عملهم بعمل عمار بن ياسر حيث أكره على الشرك وقلبه مطمئن بالإيمان. (١)
__________________
(١) لاحظ تاريخ الطبري : ٧ / ١٩٧ ، حوادث ٢١٨ ه.