النفس والنفيس عن طريق كتمان العقيدة واستعمال التقية ، ولو كان هناك وزر فإنّما يحمله من يُتّقى منه لا المتّقي. ونحن نعتقد أنّه إذا سادت الحرية جميع الفرق الإسلامية ، وتحمّلت كل فرقة آراء الفرقة الأُخرى لوقفت على أنّ الرأي الآخر هو نتيجة اجتهادها ، وعندها لا يضطر أحد من المسلمين إلى استخدام التقية ، ولساد الوئام مكان النزاع.
وقد فهم ذلك لفيف من العلماء وصرّحوا به ، وإليك نصوص بعضهم :
١. قال الشافعي : تجوز التقية بين المسلمين كما تجوز بين الكافرين محاماة عن النفس. (١)
٢. يقول الإمام الرازي في تفسير قوله سبحانه : (إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) : ظاهر الآية يدل على أنّ التقية إنّما تحل مع الكفّار الغالبين ، إلاّ أنّ مذهب الشافعي ـ رضياللهعنه ـ : أنّ الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والكافرين حلّت التقية محاماة عن النفس ، وقال : التقية جائزة لصون النفس ، وهل هي جائزة لصون المال؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : «حرمة مال المسلم كحرمة دمه» ، وقوله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : «من قتل دون ماله فهو شهيد». (٢)
٣. ينقل جمال الدين القاسمي عن الإمام مرتضى اليماني في كتابه «إيثار الحق على الخلق» ما نصّه : وزاد الحق غموضاً وخفاءً أمران : أحدهما : خوف العارفين ـ مع قلّتهم ـ من علماء السوء وسلاطين الجور وشياطين الخلق مع جواز التقية عند ذلك بنص القرآن ، وإجماع أهل الإسلام ، وما زال الخوف مانعاً من إظهار الحق ، ولا برح المحق عدوّاً لأكثر الخلق ، وقد صحّ عن أبي هريرة ـ رضي الله
__________________
(١) تفسير النيسابوري في هامش تفسير الطبري : ٣ / ١٧٨.
(٢) مفاتيح الغيب : ٨ / ١٣ في تفسير الآية.