قال الشيخ عبد الوهاب خلاّف : وخلاصة هذا المسلك أنّ المجتهد ، عليه أن يبحث في الأوصاف الموجودة في الأصل ، ويستبعد ما لا يصلح أن يكون علّة منها ، ويستبقي ما هو العلّة حسبَ رجحان ظنّه. وهاديه في الاستبعاد والاستبقاء تحقيقُ شروط العلّة بحيث لا يستبق إلاّ وصفاً منضبطاً متعدّياً مناسباً معتبراً بنوع من أنواع الاعتبار ، وفي هذا تتفاوت عقول المجتهدين ، لأنّ منهم من يرى المناسب هذا الوصف ، ومنهم من يرى المناسب وصفاً آخر.
فالحنفية رأوا المناسب في تعليل التحريم في الأموال الربوية ، القدر مع اتحاد الجنس ، والشافعية رأوه الطعم مع اتحاد الجنس ، والمالكية رأوه القوت والادّخار. (١) فمن أين يجزم القائس بأنّ المناط هو الطعم لا القوت ولا الكيل ، فما ذكره الغزالي من أنّه إذا بطل القوت والكيل بدليل كذا وكذا فثبت الطعم ، غير تام ، وذلك لأنّه إن أراد من الدليل الدليل الشرعي القاطع للنزاع فهو حقّ ، ولكن أين للمستنبط هذا الدليل القاطع ، وإن أراد الظن بأنّه المناط دون الآخرين فهو ظن لم يقم على حجّيته دليل.
ونأتي في المقام بمثال حتّى يعلم أنّ استخراج المناط أمر محظور لا يمكن الاطمئنان به.
قد ورد في الحديث «لا يزوّج البكر الصغيرة إلاّ وليّها» ، فقد ألحق بها أصحاب القياس الثيّبَ الصغيرة ، بل المجنونةَ والمعتوهةَ ، وذلك بتخريج المناط وانّه عبارة عن كون المزوّجة صغيرة ناقصة العقل ، فيعمّ الحكم الثيّب الصغيرة والمجنونة أو المعتوهة لاتحاد المناط.
وأمّا استخراج المناط فهو بالبيان التالي :
__________________
(١) علم أُصول الفقه : ٨٧.