المقدّمة الثالثة : إنّه لمّا قال بالقياس بعضهم ولم ينكره أحد منهم فقد انعقد الإجماع على صحّته. (١)
يلاحظ عليه : أنّ كلاً من المقدّمات الثلاث قابلة للنقاش والرد.
أمّا الأُولى فلنفترض انّ بعض الصحابة عمل بالقياس على وجه الإجمال ولكن لم يُشخّص تفاصيله ، وانّهم هل عملوا بمنصوص العلّة أو بمستنبطها؟ وعلى فرض العمل بالثاني فلم يعلم ما هو مسلكهم في تعيين علة الحكم ومناطه فهل كان بالسبر والتقسيم أو من طريق آخر؟ ومع هذا الإجمال كيف يمكن أن يتخذ عمل الصحابة دليلاً على حجّية القياس في عامة الموارد وعامة المسالك إلى تعيين علّة الحكم ومناطه.
وأمّا الثانية فلأنّ تسمية عمل البعض مع سكوت الآخرين إجماعاً غير صحيح جدّاً ، لأنّ الإجماع عند الأُصوليين وحتّى الغزالي نفسه عبارة عن اتفاق علماء عصر واحد على حكم شرعي. (٢)
ومن المعلوم أنّ عمل البعض لا يعدّ دليلاً على الإجماع وإن سكت الآخرون ، وذلك لأنّ الصحابة لم يكونوا مجتمعين في المدينة المنورة بل ميادين الجهاد والبلدان المفتوحة والثغور وغيرهما أخذت كثيراً من الصحابة ولاة وعُمّالاً وجنداً وقادة فكيف عرف اتّفاقهم على هذين المقامين حتّى يتحقّق الإجماع.
وأمّا الثالثة وهو عدم إنكار أحد منهم فهو أيضاً محجوج بالروايات القطعية عن الصحابة والتابعين في استنكار القياس.
__________________
(١) المحصول : ٢ / ٢٦٢ ـ ٢٦٩. وقد صرح في ص ٢٩٢ : انّ مذهب أهل البيت إنكار القياس.
(٢) المستصفى : ١ / ١١٠.