الثاني : قوله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن. (١)
يلاحظ على الأوّل : أنّه لا نزاع في الكبرى وانّ عباد الله هم الذين يستمعون القول فيتّبعون ما هو الأحسن ، ولكن الكلام في أنّ الإفتاء بشيء ممّا لم يقم عليه دليل سوى استحسان المجتهد ، هل هو اتّباع للأحسن أو اتّباع للهوى؟
وبعبارة أُخرى : القرآن يدعو إلى اقتفاء القول الأحسن وهو الذي دعمه العقل الصريح والشرع المبين ، وأين هذا من الإفتاء بشيء بمجرّد استحسان ذهن المجتهد ورأيه من دون أن يقوم عليه دليل قطعي من عقل أو شرع؟! نعم إذا كان الإفتاء مستنداً إلى دليل شرعي فهو حجّة قطعية ولا حاجة في جواز الإفتاء بها إلى الاستدلال بالآية ، بل يكفي دليل حجّيته.
والدليل على أنّ المراد من قوله «أحسن» هو ما قام الدليل على حجّيته انّك لو فسرت الآية بالاستحسان وقلت : الذين يتبعون الاستحسان لاختل انسجام الآية.
والحاصل : انّ لفظ «الأحسن» يُمثّل أحد معنيين :
١. امّا أن يتضمن معنى التفصيل ، فعندئذ يدلّ على أنّ هناك قولاً حسناً وقولاً أحسن فيتبعون الثاني دون الأوّل ، ولا يوصف القول بالحُسْن إلاّ إذا دلّ الدليل من العقل والنقل على كونه حجّة.
٢. أن يكون بمعنى الحسن خالياً عن المفاضلة فيكون المعنى يتبعون الحسن دون غيره ، وعلى كلا التقديرين لا صلة للآية بما يستحسنه المجتهد بأنّه حكم الله من دون أن يستند إلى دليل قاطع.
__________________
(١) احكام الفصول في احكام الأُصول : ٦٨٨ ـ ٦٨٩ ؛ الإحكام : ٦ / ١٩٢ ـ ١٩٦.