إليه ، لأنّه إذا لم يكن لله سبحانه فيما لا نصّ فيه حكم معيّن فما معنى الطلب وبذل الجهد؟ فالطلب موقوف على وجود الحكم لله سبحانه ، والمفروض انّه تابع لرأي المجتهد.
وهذا بخلاف القول الثاني فالمفروض فيه : انّ فيه حكماً معيناً يتوجّه إليه الطلب لكن المجتهد غير مكلّف بإصابته ، فلذلك يكون مصيباً وإن كان قد أخطأ ذلك الحكمَ المعين الذي لم يؤمر بإصابته.
ثمّ إنّ الغزالي في «المستصفى» نسب التصويب بالمعنى الثاني إلى الشافعي وقال : أمّا المصوبة فقد اختلفوا فيه ، فذهب بعضهم إلى إثباته وإليه تشير نصوص الشافعي لأنّه لا بدّ للطالب من مطلوب ، وربّما عبروا عنه بأنّ مطلوب المجتهد الأشبه عند الله تعالى والأشبه معين عند الله. (١)
وقال الخضري : لكن المجتهد لم يكلّف بإصابته ، فلذلك كان مصيباً وإن أخطأ ذلك المعين الذي لم يؤمر بإصابته. (٢)
قول ثالث في التصويب
ولمّا كان القول بإنكار الحكم الإلهي في الوقائع التي لا نصّ فيها ، يحبط من جامعية الإسلام في مجالي العقيدة والشريعة ، حاول بعض أهل السنّة تفسير التصويب بمعنى لا يخالف ذلك ، ومجمل ما أفاد : انّ القول بالتصويب ليس بمعنى نفي حكم الله في الواقع ، وانّ حكم الله تابع لرأي المفتي ، بل هو في قبال القول بالتأثيم وانّ المجتهد إذا أخطأ يأثم ، فصار القائل بالتصويب يعني نفي الإثم لا إصابة الواقع ، فعليه يصير النزاع في التصويب والتخطئة لفظياً.
__________________
(١) المستصفى : ٢ / ١١٦.
(٢) أُصول الفقه للخضري : ٣٣٦.