هذا القول بالوجوه التالية :
أ. إنّ التسريح بالمعروف في الآية ٢٣١ أُريد به ترك الرجعة ، قال سبحانه : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ).
فالأولى حمل الثانية أيضاً على ترك الرجعة وإن اختلفا في التعبير حيث إنّ التعبير في المقام هو (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) وفي الآية الأُخرى : (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ، ولعلّ المعروف والإحسان بمعنى واحد ، كما عبّر عن ترك الرجعة بلفظة (أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (١) فالأولى تفسير الجميع بترك الرجعة.
ب. انّ التطليقة الثالثة مذكورة بعد هذه الجملة (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) ، حيث قال سبحانه : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) ، وعندئذ فلا محيص من تفسير الجملة بترك الرجعة ، حتّى لا يلزم التكرار.
ج. لا يجوز أن يفسّر قوله : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) بالطلاق الثالث وإلاّ يلزم أن يكون قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ) طلاقاً رابعاً ولا طلاق رابع في الإسلام. (٢)
الثاني : إنّ المراد بقوله : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) ، هو الطلاق الثالث ، لا ترك الرجعة بعد الطلاق الثاني ومعنى الآية انّ الزوج بعد ما طلّق زوجته مرّتين يجب أن يفكر في أمر زوجته أكثر ممّا مضى حتّى يقف على أنّه ليس له بعد الطلقتين إلاّ أحد أمرين :
أمّا الإمساك بمعروف والاستمرار معها ، أو التسريح بإحسان بالتطليقة الثالثة التي لا رجوع بعدها أبداً إلاّ في ظرف خاص أشار إليها في الآية التالية
__________________
(١) الطلاق : ٢.
(٢) هذه الوجوه ذكرها الجصّاص في تفسيره : ١ / ٣٨٩.