بقوله : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ).
وعندئذ يكون قوله : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) إشارة إلى التطليق الثالث الذي لا رجوع فيه ويكون التسريح بالمقام متحقّقاً في الطلاق الثالث على هذا القول لا بترك الرجعة كما على القول الآخر.
هذا ما ذكرناه هو عصارة القولين ولكلّ قائل.
وأمّا الوجوه التي ذُكرت تأييداً للقول الأوّل فالثاني والثالث قابلان للدفع ، أمّا الثاني فلأنّه لا مانع من ذكر الشيء أوّلاً بالإجمال (أو تسريح بإحسان) ثمّ التفصيل ثانياً بقوله : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) ، فهو بيان تفصيلي للتسريح بعد البيان الإجمالي ، والتفصيل مشتمل على ما لم يشتمل عليه الإجمال من تحريمها عليه حتّى تنكح زوجاً غيره ، فلو طلّقها الزوج الثاني باختياره فلا جناح عليهما بالعقد الجديد ان ظنّا أن يقيما حدود الله ، فأين هذه التفاصيل من قوله (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)؟!
وبذلك يعلم دفع الوجه الثالث ، لأنّ حمل قوله : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) على الطلقة الثالثة لا يلزم أن يكون قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ...) طلاقاً رابعاً ، بل يكون تفسيراً له.
أضف إلى ذلك انّ روايات الفريقين تؤيد المعنى الثاني.
روى أبو رزين قال : جاء رجل إلى النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فقال : يا رسول الله ، أرأيت قول الله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) فأين الثالثة؟ فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ).
ورواه الثوري وغيره عن إسماعيل بن سميع عن أبي رزين مثله. (١)
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٣ / ١٢٨.