والأنصار القاطنين في المدينة وعلى رأسهم علي بن أبي طالب ، وقد كان يستشيره في مواقف خطيرة ويقتفي رأيه.
ولا يكون استعجال الناس ، مبرّراً لمخالفة الكتاب والسنّة ، بل كان عليه ردع الناس عن عملهم السيّئ بقوّة ومنعة ، وكيف تصحّ مؤاخذتهم بموافقتهم في عمل أسماه رسول الله لعباً بكتاب الله؟! (١)
ثمّ إنّ أحمد محمد شاكر مؤلف كتاب «نظام الطلاق في الإسلام» وإن أبدى شجاعة في هذه المسألة وأفتى ببطلان الطلاق الثلاث مطلقاً واستنبط حكم المسألة من الكتاب والسنة بوجه جدير بالاهتمام ، لكنّه برّر عمل الخليفة بوجه لا يخلو من التعسّف ، وقد صدر عمّا أجاب به ابن قيم الجوزية ـ كما سيوافيك كلامه ـ يقول :
«ولم يكن هذا الإلزام من عمر تغييراً للحكم الظاهر من القرآن ، والثابت عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ انّ الطلاق لا يلحق الطلاق ، وانّ الطلقة الأُولى ليس للمطلق بعدها إلاّ الرجعة أو الفراق ، وكذلك الثانية بعد رجعة أو زواج ، وإنّما كان إلزاماً بحكم السياسة الشرعية في النظر إلى المصالح. ممّا جعل الله للحكام بعد استشارة أُولي الأمر ، وهم العلماء وزعماء الناس وعرفاؤهم ، فقد أراد عمر والصحابة أن يمنعوا الناس من الاسترسال في الطلاق ، ومن التعجل إلى بت الفراق ، فألزموا المطلق ثلاث مرات في عدّة واحدة ما ظنّه ـ أو ما رغب فيه ـ من أنّها بانت منه بمرة ، فمنعوه من رجعتها بإرادته ومن تزويجها بعقد آخر حتّى تنكح زوجاً غيره ، ولذلك قال عمر : انّه من تعجل أناة الله في الطلاق الزمناه إياه ، فجعله إلزاماً من الإمام ومن أُولي الأمر. ولم يجعله حكماً بوقوع الطلاق الذي لم يقع ، لأنّ الأحكام
__________________
(١) الدر المنثور : ١ / ٢٨٣.