.................................................................................................
______________________________________________________
صدور نصّ من الشارع بالتحرّي في صورة خاصّة ، فتأمّل. مع أنّ الوارد في الأخبار أنّ التحرّي يجزي لا أنه يجب بحيث لو صلّى لأربع وجوه وحصل الغيم فعل حراماً ، ففي الصورة الخاصّة أيضاً مجرّد الإجزاء والاجتهاد عندهم حجّة مثل اليقين ، ولمّا كان النصّ بالإجزاء إنّما صدر منهم صلّى الله عليهم فلعلّه رأى المصلحة في تركه والتصريح بما ذكر في الجواب لأنه في صدد الجواب عن اعتراض العامة. ولعلّ وجه المصلحة أنهم صلّى الله عليهم ما كان يعجبهم إظهار أنهم شرع وأنّ نصّهم نصّ الشارع عند أمثال هؤلاء العامّة. ثمّ إنّه دام ظلّه استشعر بأنّ الرواية احتجّوا بها للمشهور من وجوب الصلاة إلى الأربع عند فقد العلم والظنّ إن كان الوقت واسعاً فقال : فإن قلت : الرواية قد خرجت عن الحجّية لأنّ المأمور به فيها لا قائل به ومحلّ النزاع لم يأمر به ، قلت : إطباق السماء أعمّ من التمكّن من الاجتهاد وعدمه. وقوله «سواء في الاجتهاد» يعني إذا تمكّنا فقوله عليهالسلام «إذا كان ذلك فليصلّ إلى أربع وجوه» يعني إذا كان مطلق الإطباق لا بشرط الاجتهاد إذ يصير حينئذٍ فيه حزازة ، لأنّ المعنى أنه تجب الصلاة إلى جهة بشرط الظنّ بعدم كونها قبلة لو لم يظنّ بكونها قبلة أو بشرط التمكّن من الظنّ بعدم كونها قبلة ، وفيه ما فيه ، لأنّه مع الظنّ بالعدم لو كان واجباً فمع الاحتمال بطريق أولى فكيف وأن لا يكون مساوياً ، انتهى فتأمّل وعبارته غير نقيّة من الغلط.
وقال في «الوافي» : في هذا الاعتراض من المخالفين دلالة واضحة على عدم جواز الاجتهاد عند الإمامية ، وجوابه أنّ هذا ليس اجتهاداً في الحكم الشرعي وإنّما هو اجتهاد فيما يتبع الحكم الشرعي وهو جائز عند الجميع ، إلّا أنّ الإمام عليهالسلام عدل عن هذا الجواب إلى جواب آخر لمصلحة رآها وإرشاداً لأصحابه إلى المجادلة بالّتي هي أحسن ، فقال : أنّا لا نضطرّ قطّ إلى الاجتهاد في أمر ، لأنّ لنا أن نأخذ بالاحتياط في كلّ ما اشتبه حكمه وإن جاز لنا الاجتهاد فيه إذا لم يكن حكماً شرعياً. قال : وبهذا يحصل التوفيق بين الأخبار في هذا المقام (١)
__________________
(١) الوافي : في القبلة ج ٧ ص ٥٥٠ ذيل ح ٦٥٦٩.