وأبو المظفّر هذا تفقه على مذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمهالله على أبي حكيم إبراهيم بن دينار النّهرواني ، ثم على أبي الفرج صدقة بن الحسين الحدّاد. ورحل إلى همذان فقرأ هناك القرآن الكريم على أبي العلاء الحسن بن أحمد ابن العطّار بشيء من القراءات. وعاد إلى بغداد ، وسمع بها الحديث من جماعة منهم : أبو الوقت عبد الأوّل بن عيسى السّجزي ، والنّقيب أبو جعفر أحمد بن محمد العبّاسي ، وأبو يعلى محمد بن محمد ابن الفرّاء ، وجماعة من طبقتهم.
وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن عليّ بن أحمد ابن الدّامغاني في ولايته الثّانية لقضاء القضاة عشيّة يوم الأربعاء حادي عشر ذي القعدة سنة خمس وسبعين وخمس مئة ، وزكّاه القاضي أبو جعفر محمد بن عبد الواحد ابن الصّبّاغ والخطيب أبو جعفر هارون بن محمد ابن المهتدي بالله ، وهو أول شاهد شهد في خلافة سيّدنا ومولانا الإمام النّاصر لدين الله أمير المؤمنين ـ خلّد الله ملكه وأدام أيامه ـ وكان فيه فضل ، وله حسن سمت ووقار.
وخدم أولا بديوان الأبنية المعمور ، ثم تولّى وكالة الباب الشّريف لوالدة سيّدنا ومولانا الإمام النّاصر لدين الله ـ ثبّت الله دعوته ـ ثم تولّى ديوان الزّمام في رجب سنة اثنتين وثمانين وخمس مئة ولقّب جلال الدين. ثم استوزره سيّدنا ومولانا الإمام المفترض الطّاعة على كافة الأنام النّاصر لدين الله أسبغ الله ظلّه على كافة الأنام يوم الجمعة ثاني عشري شوّال سنة ثلاث وثمانين وخمس مئة ، وخلع عليه بباب الحجرة الشّريفة بمحضر من سائر الولاة وأرباب المناصب. وكانت خلعته قميص أطلس وفرجيّة وعمامة قصب كحليّة ، وقلّد سيفا محلّى ، وأنطي مركوبا من المراكب الخاصة ، وأعطي عهدا ، وركب من هناك ، ومشى سائر النّاس بين يديه إلى الدّيوان العزيز مجّده الله ، وجلس في إيوانه في دست الوزارة ، وكتب إلى الخدمة الشّريفة إنهاء ضمّنه الدّعاء الجزيل وشكر ما أنعم عليه ، وحضوره بالدّيوان العزيز أجلّه الله ، وعرضه على يد حاجب الباب يومئذ