التصرّف والتصريف ، لمّا رأى الأمير مصيغا جدا لكلام الوشات (كذا) وأنه لا يريد اجتماع الكلمة بل يريد لها الشتات ، لكون الحاج بالحضري سجن نحو الثلاثين رجلا من الغرابة بالمعسكر لمّا سمع تسوّقوا خفية لوهران ، وكان الحبيب أبو علام خليفة عليه فذهب للأمير وأدخل في أذنيه ما لا يوافق من الكلام وسأل منه تسريح المساجين المتهومين بسوق وهران ، فقال له الأمير اذهب للسجن وانقدهم ، ولأهليهم فانفذهم ، ولما رأى آغة الحاج بالحضري تلك (كذا) المساجين قال لهم من أخرجكم من السجن ، فقالوا له خليفتك الحبيب أبو علام هو الذي أزال ما حلّ بنا من الغبن ، فذهب للأمير وقال له كان اللائق في إخراجهم من السجن أن يكون ذلك في علمي ، لأكون على بصيرة في خدمتك كي لا أكون معك في اللومي ، وأنا لا أردّ للخليفة قولا ولا فعلا ، ولا أبطل له عملا ولو عمله جهلا ، وحيث كان التخالف في الأمور بالتوصيف ، فها أنا سلّمت من حيني في الوظيف ، فاجعل فيه من شئت أيها الأمير ، فأنت أدرى بالأحوال وستعلم الأعمى من البصير ، وجعل الأمير قائدا على الدواير على يد آغة المزاري وهو محمد ولد قادي ، لكنه أبى وجعل بموضعه سي خمليشا ولد قادي ، ثم توفي محمد ولد قادي بعد ثلاثة أشهر وخلّف ابنه سي أحمد ولد قادي باش آغة فرندة ، الذي صار للدولة عليه في تلك الجهة القبلية العمدة.
فانتقل الحاج المزاري بأهله للمعسكر ، وسكنها بجيشه من المخزن بالعرقوب إلى أن حل به منها مع جملة من بها المفر ، ودخل المخزن بأسره في قبضة الأمير وتحت طاعته ، بعد واقعتي الدواير والزمالة ومقاتلته للبرجية وإجلائهم من أرضهم حينا وقتله لقاضي رزيو والحاج محمد بن عريبي والحاج المداح الخويدمي والشيخ بالغماري والنقادي وابن أخته والحاج عمّور الزمالي وغيرهم من الأعيان ولم يخرجوا عن حكم الجماعة لرواج بضاعته ، وإطاعة أهل المغرب الأوسط ما بين الرضى والجبر ، واستوسق له الملك بغاية الأمر ، وحصل بهذا الصلح بين الأمير والدولة المحبة العظيمة ، والمعرفة الجسيمة ، حتى أنّ روميا اسبنيوليا كان مسجونا بالمعسكر ، ففرّ منها لوهران وكتب الأمير برده فردّ من وهران مكبّلا من يديه ورجليه إلى المعسكر.