العرب كثيرا على التقصير في الخدمة فلبوه بالقبول والإحسان وسار نحوها من غير رعب ولا خوف ولا هول ، بل اعتمد على جيشه ومخزنه وما رزق الله من القوة والصول ، فضاع له في اليوم الثالث من البغال خمس وسبعون بغلا لصغر سنهم ، فأفزعته تلك الخسارة الفادحة الواقعة في كنهم ، ولما حل بقرب البريج هجمت على المحلة فرسان من أولاد الزاير ، لكن هجومهم كان كهجوم الرجل الخائف الحائر ووصلت المحلة لتلمسان وواد تافنة في أمن وأمان ، وقد حصل من كبراء المحلة بعض التراخي في الطريق حال هجوم أولاد الزاير فاستوجبوا عقوبة لتقصيرهم في العمل وتفريطهم في الخدمة في صحيح المخاير ، ولما حل الجنرال بيجو بتافنة ألفى بالتحقيق قيمة ما بنيت به تلك المدينة ، وهو ستمئة ألف فرنك في القولة الصحيحة المبينة. وفي أثناء ذلك الحال بعث الجنرال الكبير / من وهران للجنرال بيجو ليقدم عنده من النواحي الغربية فقدم لديه لوهران بمحلته التي فيها ثمانية آلاف إنسان ، ولما وصله تشاورا بينهما على الصلح مع الأمير بواسطة ولدي بن دران ، الذين كانا في التجارة بين الفريقين التي ليس لليهود فيها خسران ، فبعثا معا بن دران الكبير للمعسكر فذهب وأتى معه بالمولود بن عراش آغة الشرق وسفير الأمير بكل ناحية على شان الصلح فوصلا لوهران وتكلم معه الجنرال على الصلح فأجابه بأني نائب الأمير ولا يكون الصلح إلا بالشروط التي تبان ، منها أن يكون الدواير والزمالة كغيرهم على حكم الأمير ، فعظم هذا الشرط على الدولة لكونهم من صدقائهم (كذا) وحضروا معهم للمعارك كلها قلت أم جلت وتقدموا قبلهم للموت للدفع على أنفسهم وعليهم وجاءهم من الأمر الشديد العسير ، ومنها أن الأمير لا يدع لهم يبقى على أيديهم من البلاد في عمالة وهران والجزائر إلا ما كان بسواحل البحر بالتحرير ، ففي وهران من البريدية للمقطع لمستغانيم ، وألحّ عليه في سائر الأمور.
ولما رأى الجنرال طول الأمد وأن الخبر بينهما ذاهب وآت وانتشر الخبر بأن الصلح سينعقد بين الدولة والأمير ، وسيصير المخزن تحت حكمه فيخلف منه الثأر تقلق المخزن بالتقلق الكثير ، وصار مصطفى يضحك من ذلك ويسلي مخزنه ويخاصمهم على الجزع ، وينهيهم على ما حل بهم بلا فائدة من الفزع ، خرج من وهران في الخامس عشر ماي من السنة السابقة ، ومعه مصطفى بمخزنه