أصلا إلى أن سمع قربوصة بالمقاتلة وأتوا لمحل المعركة ونظروا للجثة فعرفها رجل أجنبي من الشرفة وأخبرهم بأنها جثة مصطفى بن إسماعيل الذي كان كهفا وصولا وأراهم الجرح الذي بيمناه الحال به في واقعة سكاك بالتحرير ، فجزوا رأسه ويده اليمنى وذهبوا بهما للأمير فلم يقبل منهم الأمير ذلك ، وقالوا لقد فعلتم عظيما بذلك ، فإني لا أحب أن يكون مصطفى بهذه الحالة وإنما أحببته أن يأتيني على فارسه حيا مزيل عنا للنكالة. ثم أمر الأمير بدفن الرأس واليد بعد التقسيم والتكفيف لهما والصلاة عليهما. وتأسف كثيرا من ذلك وعاتبا فليتة بما صدر منهم ومال إلى ناحية الرأس واليد متأسفا ملتفتا إليهما وكان موته في الثالث أو الرابع والعشرين من ماي سنة ثلاث وأربعين وثمان مائة وألف الموافق للسادس أو السابع عشر من جمادى الثانية سنة تسع وخمسين ومائتين وألف (٢٣٧). وبقيت جثته مدفونة هنالك إلى أن جاء ابن أخيه الحاج المزاري من الحج فنقلها بالتحقيق ودفنها بمقبرة سيدي البشير بوهران في النقل الحقيق. وتوفي وهو ابن ثمانين سنة وقلما يوجد بوقته من الرجال ولا يضاهيه أحد من الشجعان الأبطال ورثاه الكواش أبو عبد الله محمد ولد قدوير (كذا) الزمالي بقصيدة من الملحون فقال (٢٣٨) :
محمد شاش يا باب بين القومان يبكي يبكي ما شافشي صاف يجري لهفان
اخرج محمد الداني رأس امحاني يلقي مرباع الأعياني عوده عرينان
قال لهم يا اعموميا وين بويا عز المضيوم بابا يا فيكم ما بان
في بالي مات لا شكا زين الحركا روح للدايم بركا زهو العربان
روح للدايم دنش ذا المتفحشش وأبقيت أنا الاندفش بين الأقران
ظنيت اطفا ومصباح عز املاح والحق رفاقته راح تحت المدران
دبلوني ارفاقته جاح ضاع أسلاح بين الويدان يلتاح رهبت الأعيان
سيد ما بانش حزني واخبروني يا ناس اللوم ما جاني سرطة ثعبان
نبكي حزني على بابا مولا الرهبا زين التحزام والركبا غيب ما بان
قالوا له ناس بكايا واعموميا لا تحزن يا بن خويا ربي رحمان
__________________
(٢٣٧) ٢٣ ـ ٢٤ ماي ١٨٤٣ م يوافقه ٢٣ ـ ٢٤ ربيع الثاني ١٢٥٩ ه.
(٢٣٨) يقصد ولد قويدر كما يتضح في آخر القصيدة.