واجتمع بالبوحميدي وقسم جيشه على ثلاثة : مقدمة وميمنة وميسرة في القول الشهير ، فجعل في الميمنة خليفته الحاج مصطفى بالتهامي بجيشه. وفي الميسرة خليفته البوحميدي بجيشه ، وبقي هو في المقدمة بجيشه. وحصل القتال العظيم بين الفريقين ، مات فيه خلق عظيم من الجانبين. ولم يفلت من محلة الدولة إلا سبعون عسكريا دخلوا في قبة سيدي إبراهيم ، وجعلوا بها شارات ، وجعلوا دوابهم أمام القبة ترسا لهم وصاروا يدافعون عن أنفسهم بغاية المدافعات بحيث قتلوا بذلك من جيش الأمير وجرحوا كثيرا ، وقد جرح الأمير من أذنه اليسرى في ذلك اليوم جرحه فسيان في المعركة قولا شهيرا ، بحيث ضربه الفسيان برصاصة بشطولة ، فالتفت إليه الأمير وضربه بسكينه للجبهة ثم للخد الأيمن فجرحه من الموضعين وخلصه منه الخيالة وهو بدمه في هطوله.
قال ولما رأى الأمير لحوق الضرر بجيشه من الذين في القبة ، أمرهم بعدم التقدم لناحيتهم وجعل جيشا غزيرا عسة على القبة ، وأمرهم بعدم المقاتلة إلا إذا خرجوا منها وصاروا على بعيد ، وأن لا يبرح أحد من مكانه ولو بقوا مدة وذهب لولهاصة وبات بها في القول المفيد ، فمكث العسكر بالقبة ثلاثة أيام ، ولما لحقهم الجوع والعطش خرجوا ليلا وذهبوا لناحية الغزوات ، فظفرت بهم العسة وقتلتهم ولم ينجوا منهم إلا خمسة دخلوا لمدينة الغزوات. واتفق المحدثون على أن هذه الواقعة كانت في العشرين من رمضان ، وأن الأمير خرج بجيشه من دائرته في السادس عشر من رمضان (٢٦٠) ، وربكم أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب.
ثم أمر الأمير بإحضار العسل فطبخ على النار اللينة (كذا) إلى أن علا (كذا) زبده. وزفت به محل القطع من الرؤوس (كذا) المقطوعة ، وإنما فعل ذلك خشية تغييرهم وفساد رائحتهم في الحكاية المسموعة ، وجعلهم في الأخراج وحملهم على البغال وبعث بهم لدائرتهم مع الذين أسرهم والمجاريح بالتحقيق.
__________________
(٢٦٠) حصلت معركة جبل كركور قرب سيدي إبراهيم ليلة ٢٢ ـ ٢٣ سبتمبر ١٨٤٥ التي جرح فيها مونتانياك ومات. وحصل حصار قبة سيدي إبراهيم يومي ٢٤ ـ ٢٥ منه وتم أسر عدد من الجنود الفرنسيين.