حياته وهو ابن ثمان سنين بالخامس ، وأناب عنه أمير الفلاندرين بودوان ومات سنة خمس وعشرين من السادس بالبيان (٦٧). ومن خبره أنه لما طالت مدّته حدث بها حوادث عظام. بقي ذكرها على مرور الليالي والأيام فقاتل قيليوم ثم اصطلح معه ثم تجدد الحرب بين الفريقين يروم كل منهما لصاحبه أن يقمعه فجاء قيليوم حاركا ، ولقتاله عازما لا تاركا ، وحلّ بمدينة مانط ، فحرقها ، واحتطبها وخرقها ، وذلك سنة أربع من القرن السادس بالعيان ، وزاد لباريز فمرض بقربها وتوجّه إلى روان ، وبها مات في صحيح البيان ، وكان المسلمون استولوا في القرن العاشر المسيحي ، وقاعدته القدس المطهر من القبيحي وانتشر الإسلام ، وظهر دين الله تعالى على يد سيد الأنام ، ثم أصحابه من بعده وأمته وهلمّ جرّا إلى يوم القيامة ، فرأى قسيس يقال له بيّار أحكام المسلمين ، فتخيّل له في عقله لمخالفتها لقوانين النصارى أنها ظلم وجور بالتبيين فامتلأ قلبه غيضا وغضبا ، وكثر همه ونوى لهم عطبا ، فعاهد نفسه أن يخبر الدول النصرانية بذلك ، ونام ليلة فرأى بزعمه أن عيسى بن مريم عليهالسلام أمره أن يبادر بذلك ، ولم يدر أن ذلك من أضغاث الأحلام ومعاذ الله أن يأمره بذلك نبي الله عيسى بن مريم عليهالسلام ، وإنما ذلك من عمل الشيطان الملعون ما دام الزمان ، فرحل فورا ولمّا وصل / أخبر أجناس النصارى جنسا بعد جنس ، وعيّن لهم الاجتماع باصطنبول وقال لهم هي ذات الخنس ، وكان ذلك سنة تسعين من القرن الخامس (٦٨) فعبروا خليج قسنطنطينية وهم في أشد المحامس ، ووصلوا إلى خليج أرسلان بن سليمان بن قطلمش وهي قونيّة وغيرها بالتدليج وجرى الحرب بينهم وبين قليح أرسلان. فانهزم قليح ثم ساروا إلى ليون الأرمني بغاية الظهور وخرجوا لأنطاكية فحاصروها تسعة من الشهور (٦٩) ، وظهر لباغي سيان في ذلك شجاعة عظيمة ، ثم هجموا أنطاكية ودخلوا عنوة وقوتهم جسيمة ، وكان بها ثلاثمائة وخمسون كنيسة ، وأكثر أهلها نصارى لهم حالة دنيسة ، وخرج أميرها باغي سيان باليل (كذا) هاربا مرعوبا ، وخائفا مدحوضا في نفسه مطلوبا ، فلما أصبح ورجع وعيه أخذ يتلهّف
__________________
(٦٧) الموافق ١١٣١ م.
(٦٨) الموافق ١٠٩٧ م.
(٦٩) يشير بذلك إلى الحملة الصليبية الأولى على المشرق الإسلامي.