للاستفادة ، وانّ ببطلان البعض لا يعني إلغاء الكلّ.
وأنا أبحث فيه لمست منتهى الدّقة ، ووقفت وتأملت في مدى التواضع الذي كان عليه هذا المحقق ، فغايته الفضيلة ورغبته في الحقيقة العلميّة ، فلا يريد أن ينتصر لقوله ويتفوّق لنفسه ، وإنّما للعلم وللعلم فقط ، بل إنّما يتفانى في كل وجوده لأجل ذلك ، فانظر إليه في بعض المطالب وهو يقول : فتأمل في أطراف هذا الكلام ومعانيه وتعمّق النظر في غمار مقاصده ومبانيه ، ولا تنظر الى تفرّدي به كأكثر مقاصد الكتاب ، ولا تلحظ إليه بعين الحقارة وإليّ بعين العتاب ، ثم بعد ذلك فإمّا قبولا وإمّا إصلاحا وإمّا عفوا والله الموفّق للصواب.
وقد ترى اليوم من يمكن القول انّه في طور المراهقة العلمية أو من آنس من نفسه علما قليلا ليستشكل على هذا المحقّق أو ذاك المارد في العلم والفضل وليتعالى في الميادين العلمية أو غيرها ، وتأخذه الكلمات والنظريّات ليظهر من نفسه علما وقدرة ، وإذا ما أحسّ من آخر سكوتا من غير بكم ظنّه عجزا.
فما أكثر في هذا الزّمان الابتداع والادّعاء ، وأكثر منه من يتلقاه بالقبول ويروّج له في الأسواق كما يروّج للسّلع الباطلة لأجل المصالح الفاسدة ، والعياذ بالله العظيم من ذلك.
ويبقى القول : بأنّ هذا الكتاب لا يحتاج الى مزيد من الترويج له ، فحضوره يبقى قويّا عند أهل الخبرة والمعرفة ، وقد ذاكرني أحد المدرّسين الكبار فقال فيه : إنّ مطالب كتاب «القوانين» تفتح الذّهن وتوقّده. وسمعت وكما ينقل ومصدره الصدور كما في المثال بالفارسيّة : (از سينه به سينه) أنّ طبيبا نصرانيّا بعد أن أطلع على كتاب «القوانين» وقدرة صاحبه فيه على الدقّة في التحقيق قال : إنّ صاحب هذا المؤلّف سوف تتأخّر حاسة سمعه في أواخر عمره لكثرة تفكره ، لما كان قد أبداه في تحقيقه لمطالب هذا السّفر القيّم ؛ وهذا الذي تحقّق وصار.