وعلى هذا فما استدلّ به بعض القائلين (١) بكونها حقيقة في النّدب ، من أنّ الفرق بين الأمر والسّؤال ليس إلّا تفاوت رتبة الطالب ، فالوجوب شيء زائد ، والسّؤال إنّما يدلّ على الندب ، فكذا الأمر (٢).
فجوابه التحقيقي بعد منع اختصاص الفرق بذلك لما عرفت (٣) ، ثمّ تسليمه هو : أنّ النزاع إنّما هو في الصّيغة ، والقائل بكونها للوجوب يقول به في السّؤال أيضا ، يعني به الحتم والإلزام ، غاية الأمر أنّ حصول الذمّ والعقاب ثمّة يحصل بالترك بخصوص المقام دون ما نحن فيه.
والحاصل ، أنّ صيغة افعل مع قطع النّظر عن القرائن ، تفيد الوجوب اللّغوي ، وبضميمة المقام يتمّ الوجوب الاصطلاحي ، وهذا هو مراد القائل بكونها حقيقة في الوجوب.
نعم ، يمكن الفرق بين الصّورتين الأوليين بإمكان المناقشة في الصّورة الأولى ،
__________________
(١) إنّما أتى بكلمة البعض لأنّ منهم من اكتفى بحديث الاستطاعة حاملا لها على المشيّة لا على القدرة ، ومن هذا البعض القائلين بالندب كأبي هاشم من العامة ومن وافقه كما في «شرح العضد» : ١ / ١٩١ و «شرح المختصر» : ٢ / ٧٩ ، وعن أبي علي أيضا كما في «الذريعة» : ١ / ٥١ ، وقد ذهب إليه كثير من المعتزلة وجماعة من الفقهاء ، ومنهم من نقله عن الشافعي كما ذكر الغزالي في «المستصفى» : ١ / ٢٥٨ ، وقد صرّح الشافعي في كتابه «أحكام القرآن» بتردّد الأمر بين الندب والوجوب وقال : إنّما أوجبنا تزويج الأيم لقوله تعالى : (فَلا تَعْضُلُوهُنَ) البقرة : ٢٣٢. وقال : لم يتبيّن لي وجوب إنكاح العبد لأنّه لم يرد فيه النهي عن العضل ، بل لم يرد إلّا قوله تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى) النور : ٣٢. فهذا أمر وهو محتمل للوجوب والندب ويبدو أنّ إحدى النسبة للشافعي لأحد قوليه.
(٢) «المحصول» : ١ / ٢٣٥ ، «منهاج الاصول» : ٧٥.
(٣) قد عرفت في تعريف الأمر بطلب الفعل بالقول استعلاء من العالي ، أنّه يعتبر فيه مع علو القائل ، صدور الطلب من استعلاء ، ولا يعتبر شيء من ذلك في السّؤال.