ولكنّه مدفوع : بأنّ كلام النّحاة مع أنّه لم يثبت اتّفاقهم على ذلك ، يضعّفه خلاف علماء الأصول والبيان ، فالظاهر أنّ نظرهم الى الأغلب من إمكان حصول الطبيعة في الحال.
والحاصل ، أنّ الأمر مأخوذ من المضارع ، ولا فرق بينهما في الاشتراك بين الحال والاستقبال.
وقد استدلّوا (١) أيضا : بقوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)(٢) الآية. وبقوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ)(٣) الآية. بتقريب أنّ المراد من المغفرة سببه لاستحالة المسارعة الى فعل الله ، وفعل المأمور به سبب ، إذ قد يكون بعض الواجبات سببا لإزالة الذّنوب ، كما ورد في الصّلوات الخمس والحجّ وغيرهما ، سيّما على القول بالإحباط كما هو الحقّ ، ويثبت في الباقي بعدم القول بالفصل ، فلا يرد أنّ سبب المغفرة إنّما هو التوبة ، وهو فوريّ اتّفاقا ، ولا حاجة الى الاستدلال ، ولا يتمّ المطلوب بعدم القول بالفصل أيضا لاتّفاق الفريقين فيه.
وكذا لا يرد على إرادة فعل المأمور به بناء على الإحباط ، أنّ هذا إنّما يتمّ فيما حصل الذّنب ، فلا يعمّ جميع الأوامر.
وأمّا ما يقال (٤) من أنّ بعض المستحبّات أيضا ممّا ورد كونه سببا للمغفرة ، فلا بدّ من حمل الأمر على الاستحباب.
ففيه : أنّ العامّ يخصّص والمطلق يقيّد ، والتخصيص والتقييد أولى من غيرهما
__________________
(١) أيضا في حجّة القول بالفور ، وقد نقلها في «المعالم» : ص ١٥٤.
(٢) آل عمران : ١٣٣.
(٣) البقرة : ١٤٨ ، المائدة : ٤٨.
(٤) وهو المفهوم من ردّ «المعالم» : ص ١٥٥ في المسارعة والاستباق ، وفي «هداية المسترشدين» : ١ / ٦٢ ، فيه كلام.