التي لم يحصل العلم بانحصار الحكمة منها في شيء ، أو علم أنّ المراد منها تكميل النفس ورفع الدّرجة وحصول التقريب ، فإنّها لا تصحّ بدون النيّة لعدم حصول الامتثال عرفا إلّا بقصد إطاعة الأمر.
إذا عرفت هذا ؛ فاعلم أنّ المقدّمة لا تنحصر فيما كان مقدورا للمكلّف ، أو فيما أتى به ، أو فيما تفطّنه وكان مستشعرا به. وقد ذكرنا سابقا أنّ الواجب بالنسبة الى المقدّمات الغير المقدورة مشروط ، وكلامنا هنا في مقدّمات الواجب المطلق ، لكن لا بدّ أن يعلم أنّه قد يكون الغير المقدور مسقطا عن المقدور ، وفعل الغير نائبا عن فعل المكلّف ، وما لا يتفطّنه ولا يستشعر به أيضا من المقدّمات ، فإنّ من وجب عليه السّعي في تحصيل الماء للوضوء إن فاجأه من أعطاه الماء ، فسقط عنه ذلك السّعي ، ويكون فعل الغير نائبا عن فعله.
فالمقدّمة هو القدر المشترك بين المقدور وغيره ، والقدر المشترك بينهما مقدور ، وثمرة النّزاع إنّما تحصل فيما كان مقدورا للمكلّف وفعله.
فالقائل بوجوب المقدّمة ، إنّما يقول بوجوب القدر المشترك ، والكلام في حصول الثواب وعدمه بالنسبة الى مثل هذه المقدمة ، هو الكلام في مثل حصوله على غسل الغير ثوبه من دون اطّلاعه.
نعم ، إنّما يثاب على نيّته لو نوى ذلك ثمّ ناب عنه فعل الغير.
فظهر من جميع ذلك ، أنّ الواجب قد يكون مطلقا ، وإن كان مقدّمته قدر المشترك بين المقدور وغير المقدور ، فليكن على ذكر (١) منك.
__________________
(١) الذّكر بضم الذال ذكر بالقلب قال الفراء : الذّكر بالكسر ما ذكرته بلسانك وأظهرته والذكر بالقلب. يقال : ما زال مني على ذكر اي لم أنسه.