وثانيا : إنّ المقام يتمّ بدون ذلك أيضا ، فإنّ منكري وجود الكلّي الطبيعي لا ينكرون (١) أنّ العقل ينتزع من الأفراد صورا كليّة مختلفة ، تارة من ذواتها ، واخرى من الأعراض المكتنفة بها ، بحسب استعدادات مختلفة واعتبارات شتّى ، كما صرّحوا به (٢) ، وإن لم يكن لتلك الصّور وجود إلّا في العقل ، وتلك الصّور هو الكلّي الطبيعيّ (٣) على مذاق هؤلاء (٤). ولا ريب أنّ له نوع اتّحاد مع الفرد لصدقها عليه عرفا ، وعدم وجودها في الخارج إنّما يظهر بعد التدقيق الفلسفي.
وأمّا أهل العرف فلا يفهمون ذلك (٥) ولا يفرّقون بين ما كان وجوده متأصّلا ومتحقّقا ، أو بالإضافة والاعتبار (٦).
فيفهمون من الأمر أنّ مطلوب الأمر هو هذه الطبيعة المطلقة لا بشرط ، غاية الأمر استحالة تحقّقها في نفس الأمر إلّا بإيجاد الفرد ، ولا ضير فيه مع القدرة عليه بالواسطة ، ويكفي في انفهامهم ذلك ، تولّد الأمر الانتزاعيّ ممّا به الانتزاع وإن كان أمرا اعتباريا.
وحاصل المرام ، أنّ أهل العرف يفهمون من ذلك ، الخصوصيّات المعيّنة لا مدخليّة لها في الامتثال ، ويكفي تحقّق هذا المفهوم في الخارج على أيّ نحو
__________________
(١) أي انّ المنكرين لوجوده فهم لا ينكرونه رأسا ، بل ينكرون وجوده التأصلي لا وجوده الانتزاعي العقلي التبعي لاعترافهم به.
(٢) فصرّحوا بعدم إنكارهم وجود الكلي الانتزاعي العقلي مع إنكارهم وجود الأصلي الخارجي.
(٣) الذاتي او العرضي.
(٤) المنكرين لوجود الكلي الطبيعي.
(٥) أي لا يفهمون عدم وجود الكلّي الطبيعي في الخارج.
(٦) العطف تفسيري.