السّفر والحيض ونحوهما ، فلأنّه رخّص في السّفر ، ومنع في حال الحيض ، فبعد اختيار السّفر يحرم الصوم ، فلا يجوز فعله ؛ فيمتنع شرعا ، وكذلك يحرم في حال الحيض ؛ فيمتنع فعله شرعا ، فتكليفه بالوجوب والحرمة معا مع اتّحاد الجهة ، ممتنع كما سيجيء (١). ولا فرق عندنا (٢) بين الممتنع بالذّات والممتنع بالغير (٣) في قبح التكليف به إلّا فيما صار الامتناع من جهة سوء اختيار المكلّف ، فلا يرد ما أجاب به ابن الحاجب (٤) وغيره بأنّ ما لا يصحّ التكليف به هو المحال الذّاتي لا
__________________
(١) في بحث اجتماع الأمر والنهي.
(٢) معاشر العدلية خلاف لبعض الأشاعرة.
(٣) الممتنع بالذّات كشريك الباري سبحانه وتعالى واجتماع النقيضين ، والمراد منه في هذا المقام انتفاء الشروط العقليّة كالتمكّن والقدرة. وأما الممتنع بالغير كالطيران بالهواء بالنسبة الى غير الطيور ، وهذا ممتنع لا بالذّات لكونه موجودا في الطيور. والمراد به في المقام انتفاء الشروط الشرعيّة كالخلوّ من الحيض والسّفر. هذا ومراد المصنّف من هذا الكلام الردّ على بعض الأشاعرة الذين لم يجوّز والتكليف بالممتنع الذّاتي كما جوّزه فرقة منهم ، بل جوّزوا التكليف بالممتنع الغيري والاضافي.
(٤) عثمان بن عمر بن أبي بكر ابن الحاجب الدويني ثم المصري ثم الدمشقي ثم الإسكندري (٥٧٠ ـ ٦٤٦ ه) من أئمة المالكية ومن كبار علماء اصول الفقه ولد بإسنا من صعيد مصر ، له مصنّفات كثيرة طار ذكرها في البلاد منها «منتهى السّؤل والأمل في علمي الاصول والجدل» ومختصره «مختصر منتهى السّؤل والأمل في علمي الاصول والجدل» وهذا الكتاب يعد من عيون مراجع اصول الفقه وقد أثنى عليه عضد الإيجي وكذا سعد الدين التفتازاني وحاجى خليفة بعبارات بليغة ، وقد اعتكف الكثير على هذا الكتاب تدريسا وشرحا وتحشية وقد طبع بعض من شروحه وحواشيه وأحسنها على ما نقل شرح عضد الدين الإيجي وهو مطبوع بحاشية التفتازانى وغيرها من الحواشي.