وهو الأقرب (١) ، فإنّهما دليلان يجب إعمالهما ، ولا موجب للجمع والتقييد ، إذ الموجب إمّا فهم العرف كما في العامّ والخاص المطلقين على ما أشرنا اليه وسنبيّنه ، أو العقل كما لو دخل في دار الغير سهوا ، فإنّ الأمر بالخروج والنّهي عنه موجب لتكليف ما لا يطاق ، فهو مأمور بالخروج لا غير.
وأمّا فيما نحن فيه ، فإنّه وإن كان يلزم تكليف ما لا يطاق أيضا ولكن لا دليل على استحالته إن كان الموجب هو سوء اختيار المكلّف ، كما يظهر من الفقهاء في كون المستطيع مكلّفا بالحجّ إذا أخّره اختيارا وإن فات استطاعته.
لا يقال : إنّ الخروج أخصّ من الغصب مطلقا (٢) ، وفهم العرف يقتضي الجمع بين العامّ والخاصّ إذا كانا مطلقين.
لإنّا نقول : إنّ الخروج ليس مورد الأمر من حيث هو خروج ، بل لأنّه تخلّص عن الغصب ، كما أنّ الكون في الدّار المغصوبة ليس حراما إلّا من جهة أنّه غصب ، والنسبة بين الخروج والغصب عموم من وجه.
والظاهر أنّ ذلك الأمر إنّما استفيد من جهة كونه من مقدمات ترك الغصب الواجب ، ومقدّمة الترك أعمّ من الخروج. وإن انحصر أفراده في الخروج بحسب العادة ، فإنّ الظاهر أنّ العامّ الذي أفراده الموجودة في الخارج منحصرة في الفرد
__________________
(١) أي القول الثالث الذي هو مذهب أبي هاشم وغيره هو الأقرب الى الصواب من القولين الأوّلين.
(٢) إذ لا يخفى عليك أنّ هذا خلاف العام والخاص المطلقين في مثل صلّ ولا تصلّ في الدّار المغصوبة ، فإنّ المنهي عنه هنا أخصّ من المأمور به مطلقا ، ومقتضاه تقديم النّهي على الأمر وتخصيص الأمر به ، والأمر فيما نحن فيه على العكس ، فظهر أنّ هذا لو تمّ فإنّه لا يتم به القول الأوّل من الأقوال الثلاثة.