بحسب العادة ، بل في نفس الأمر أيضا لا يخرج عن كونه عامّا في باب التعارض. فلو فرض ورود الأمر بالخروج أيضا بالخصوص ، فالظّاهر أنّه من جهة أنّه الفرد الغالب الوجود لإمكان التخلّص بوجه آخر ، إمّا بأن يحمله غيره على ظهره ويخرجه من دون اختياره ، أو غير ذلك.
فليضبط ذلك فإنّه فائدة جليلة لم أقف على تصريح بها في كلامهم.
وأمّا القول الأوّل ، فاختاره ابن الحاجب وموافقوه (١) ، مستدلّين بأنّه إذا تعيّن الخروج ، للأمر دون النّهي بدليل يدلّ عليه ، فالقطع بنفي المعصية عنه إذا خرج بما هو شرطه من السّرعة ، وسلوك أقرب الطرق وأقلّها ضررا ، إذ لا معصية بإيقاع المأمور به الذي لا نهي عنه.
وفيه : ما عرفت أنّه لا وجه لتخصيص النّهي بذلك الأمر ، فالنّهي باق بحاله ويلزمه حصول المعصية أيضا.
وأمّا القول الثاني (٢) ، فاختاره فخر الدّين الرّازي (٣) وقال : إنّ حكم المعصية
__________________
(١) القول الأوّل هو القول بأنّه مأمور بالخروج وليس منهيّا عنه ولا معصية في الخروج.
والمراد من موافقيه هو العضدي وغيره.
(٢) والقول الثاني هو القول بأنّه عاص لم يتعلّق به النهي عن الخروج ، ودليله استصحاب حكم المعصية عليه مع إيجابه الخروج.
(٣) محمّد بن عمر ابو عبد الله فخر الدين الرازي (٥٤٤ ـ ٦٠٦ ه) من كبار أئمة المتكلّمين الاشاعرة من الشافعية ومع غزارة علمه في الكلام كان يقول : من لزم مذهب العجائز كان هو الفائز. له مصنفات كثيرة في علوم مختلفة منها : «المحصول في علم الاصول» وهو من عيون مراجع أصول الفقه ، وهو مختصر مستمد من كتابين لا يكاد مؤلفه يخرج عنهما غالبا احدهما «المستصفى» للغزالي والآخر «المعتمد» ـ