وهاهنا إشكال مشهور بناء على تعريف الحكم الشرعي بأنّه خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين ، مع كون الكتاب من أدلّة الأحكام ، وهو أيضا خطاب الله ، فيلزم اتّحاد الدليل والمدلول (١).
واستراح الأشاعرة عن ذلك بجعل الحكم هو الكلام النفسي ، والدليل هو اللّفظي(٢).
وفيه : مع أنّ الكلام النفسي فاسد في أصله ، انّ الكتاب مثلا حينئذ كاشف عن المدّعى ، لا أنّه مثبت الدعوى ، فلا يكون دليلا في الاصطلاح.
__________________
(١) ولزوم اتحاد الدليل والمدلول في الأحكام المستفادة من الكتاب حيث إنّ الدليل والمدلول كلاهما خطاب الله تعالى المتعلّق بفعل المكلّف ؛ فيصير مفاد الحد حينئذ أنّ الفقه هو العلم بخطابات الله عن خطاباته تعالى. وحاصل رفع اشكال اتحاد الدليل والمدلول انّ كلا من الكتاب والحكم المستفاد منه وإن كان عبارة عن خطاب الله إلّا أنّ الأوّل خطاب بمعنى الكلام اللّفظي ، والثاني خطاب بمعنى الكلام النفسي ، فالدليل والمدلول متغايران.
(٢) لقد خالف الأشاعرة غيرهم في أنّ الخطاب الذي هو الكلام يطلق على اللّفظي والنفسي على سبيل الاشتراك اللّفظي ، وبعضهم أفرط في جعله حقيقي في الثاني مجازا في الأوّل كقول الشاعر : إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما جعل اللسان على الفؤاد دليلا ، ولكن غير الأشاعرة جعلوه حقيقة متحدة في اللّفظي ، فيكون مجازا في النفسي. والكلام اللّفظي هو المؤلّف من الأصوات والحروف المفهم للمراد سواء كان من الجارحة المخصوصة أم غيرها كالشجرة ، فإنّه يقال عرفا انّ الله تعالى تكلّم مع نبيه موسى عليهالسلام مع أنّه سبحانه أوجد الصوت في الشجرة. والكلام النفسي هو المعنى القائم في نفس المتكلّم لا من حيث حصوله في ذهن السّامع وهو مدلول الكلام اللّفظي. وقد زعمت الأشاعرة كون كلامه تعالى هو النفسي وهذا فاسد في أصله كما صرّح المصنّف.