والذي يخالجني (١) في حلّه ، هو جعل الأحكام عبارة عمّا علم ثبوته من الدّين بديهة بالإجمال ، والأدلّة عبارة عن الخطابات المفصّلة. فإنّا نعلم أوّلا بالبديهة أنّ لأكل الميتة وأكل الرّبا أو غيرهما حكما من الأحكام ، ولكن لا نعرفه بالتفصيل إلّا من قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)(٢) ، (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)(٣) ونحو ذلك.
وهاهنا إشكال آخر ، وهو : إنّ الأحكام كما ذكرت هي النسب الجزئية (٤) ، فموضوعاتها خارجة ، وقد تكون نفس العبادة ، ولا ريب أنّ معرفة ماهيّة العبادة وظيفة الفقه ، فلا ينعكس الحدّ (٥).
ويمكن دفعه : بالتزام الخروج ، لأنّ تلك الموضوعات من جزئيّات موضوع العلم (٦) ، وتصوّر الموضوع وجزئيّاته من مبادئ العلم ، والمبادئ قد تبين في ذلك العلم وقد تبين في غيره. وتصوّر الموضوع وأجزائه وجزئياته (٧) يحصل
__________________
(١) أي الذي خامرني ونازعني فيه فكر.
(٢) المائدة : ٣.
(٣) البقرة : ٢٧٥.
(٤) النسب الجزئية كقولنا الصلاة واجبة والزكاة واجب وشرب الخمر حرام ، وكذا الزنا ونحو ذلك.
(٥) أي لا يكون جامعا لأفراد محدوده بأن يصدق كلّما صدق المحدود حتى لا يكون شيء من أفراده خارجا عن الحدّ. سمي به لأنّه عكس الاطّراد وهو المنع من دخول غير الأفراد ، بأن يصدق المحدود كلما صدق الحدّ حتى لا يدخل في الحدّ ما لا يصدق عليه المحدود.
(٦) أي من جزئيات موضوع علم الفقه لا من موضوع علم الاصول ، لأنّ نفس ماهيّة العبادة من أفعال المكلّفين الذي هو موضوع علم الفقه.
(٧) تصوّر الموضوع في الفقه كتصوّر الصلاة مثلا ، وأجزائه كتصوّر الركوع والسجود ، وجزئياته كتصوّر الصلوات اليومية والآيات وغيرها.