مطّرد (١) في جميع المسائل ، وهو أنّ كلّ ما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقّي ، هكذا قرّره القوم.
أقول : ويرد عليه ، أنّ ذلك الدّليل الإجمالي بعينه موجود للمجتهد ، وهو أنّ كلّ ما أدّى إليه ظنّي فهو حكم الله في حقّي وحقّ مقلّدي.
فإن قلت : نعم ، ولكن له أدلّة تفصيليّة أيضا مثل : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(٢) ونحوهما ، والمراد هنا تلك ، وليس مثلها للمقلّد.
قلت : للمقلّد أيضا أدلّة تفصيليّة ، فإنّ كلّ واحد من فتاوى المفتي في كلّ واقعة دليل تفصيلي لكلّ واحد من المسائل ، فالأولى في الإخراج التمسّك بإضافة الأدلّة الى الأحكام وإرادة الأدلّة المعهودة ، فإنّ الإضافة للعهد ، فيكون التفصيليّة قيدا توضيحيّا.
ثم إنّ ما ذكرته ، بناء على عدم الإغماض عن طريقة القوم رأسا. وإلّا فأقول : إنّ ما ذكره القوم من كون التفصيليّة احترازا عن علم المقلّد ، إنّما يصحّ إذا كان ما ذكروه من الدّليل الإجمالي للمقلّد دليلا لعلمه بالحكم ، وليس كذلك ، بل هو دليل لجواز العمل به ووجوب امتثاله وكونه حجّة عليه. كما أنّ الدّليل الإجمالي الذي ذكرناه للمجتهد هو أيضا كذلك ، فلا يحصل بذلك احتراز عمّا ذكروه.
ويمكن أن يقال : أنّ قيد «التفصيلية» لإخراج الأدلّة الإجمالية كما بيّنّا سابقا
__________________
(١) المطّرد هو العام الذي لا شذوذ فيه ومنه القاعدة المطّردة. وسمّي دليل المقلّد بالاجمالي لانتسابه الى الاجمال ، والذي يقابله التفصيلي أي المنتسب الى التفصيل من الفصل بمعنى الفرقة بين شيئين. ومعناه كونه عن أوساط متعدّدة متفرقة يختص كل واحدة بطائفة من المسائل كالكتاب والسنة والاجماع والعقل ، وبهذا عرّف خروج علم المقلّد بقيد التفصيلية.
(٢) البقرة : ٤٣ و ٨٣ و ١٠١ ، النساء : ٧٧ ، النور : ٥٦ ، المزمل : ٢٠.