والذي يختلج بالبال في حلّ الإشكال وجهان :
الأوّل : أن يقال : إنّ المراد بكون صحّة السّلب علامة المجاز ، أنّ صحة سلب كلّ واحد من المعاني الحقيقية عن المعنى المبحوث عنه علامة لمجازيّته بالنسبة الى ذلك المعنى المسلوب ، فإن كان المسلوب الحقيقي واحدا في نفس الأمر ، فيكون ذلك المبحوث عنه مجازا مطلقا ، وإن تعدّد فيكون مجازا بالنسبة الى ما علم سلبه عنه لا مطلقا (١) ، فإذا استعمل العين بمعنى النابعة في الباصرة الباكية لعلاقة جريان الماء ، فيصحّ سلب النّابعة عنها ، ويكون ذلك علامة كون الباكية معنى مجازيا بالنسبة الى العين بمعنى النّابعة ، وإن كانت حقيقة في الباكية أيضا من جهة وضع آخر.
فإن قلت (٢) : إنّ سلب العين بمعنى الذّهب عنها بمعنى الميزان ، لا يفيد كون الميزان معنى مجازيّا لها لعدم العلاقة.
قلت : هذا لو أردنا كونه مجازا عنها بالفعل ، وأمّا إذا كان المراد كونه مجازا بالنّسبة إليها لو استعمل فيه ، فلا يرد ذلك ، وهو كاف فيما أردنا. وما ذكرنا في المثال إنّما هو من باب المثال ، فافهم.
وبالجملة : قولهم للبليد : ليس بحمار ، إذا أريد به سلب الحيوان النّاهق الذي هو معنى حقيقي للحمار في الجملة جزما ، فيكون البليد معنى مجازيا بالنسبة الى ذلك المعنى الحقيقي ، وإن احتمل أن يكون الحمار موضوعا بوضع آخر للحيوان القليل الإدراك ، ويكون البليد حقيقة بالنسبة إليه حينئذ.
__________________
(١) وقد جاء على ذكره وردّه صاحب «الفصول» ص ٣٦.
(٢) وقد تفطن لهذا الاشكال فأورده على وجه السّؤال. وقد ذكره مع ردّه في «الفصول».