فلما انقضت أيام الطواف ، نادى منادي الحجاج في الناس بالانصراف إلى بلدانكم ، فإنا معاودون (١) الحرب».
قيل : ولم يحج عبد الله بن الزبير في هذه السنة.
واستمر الحرب إلى سنة ثلاث وسبعين ، وكثر الغلاء ، وعدمت الأشياء ، ووقعت شدة عظيمة ، بحيث إن عبد الله بن الزبير رضياللهعنهما ذبح فرسه ، وقسمها على من معه من الجماعة ، بعد أن فرّ غالبهم من الجوع. وبيع المدّ الذرة بعشرين درهما ، والدجاجة بعشرة دراهم (٢).
وكان الحجاج يركب فرسه ، وعليه سلاحه ، يحث العسكر على القتال بين الصفا والمروة. وكلّ من أقبل فارّا ، حمل عليه بالسيف ، فيرجع خوفا من القتل إلى القتل. وألزم كل طائفة منهم بابا من أبواب المسجد.
ولم يزل حتى قتل عبد الله بن الزبير رضياللهعنهما ، وصلبه منكسا بالحجون. وبعث برأسه لعبد الملك بن مروان ، فطاف به في مصر وغيرها ، وذلك يوم الثلاثاء لتسع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين من الهجرة (٣) ، وعمره رضياللهعنه ثلاث وسبعون سنة. وقتل معه عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي وكان شريفا في قومه. وقتل معه أيضا عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي (٤) ،
__________________
(١) في (د) «معاودين».
(٢) وحول غلاء الأسعار في مكة ، انظر : الأزرقي ـ أخبار مكة ٢ / ٢٦.
(٣) ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٧ / ٧٤.
(٤) انظر : الاصابة في تمييز الصحابة ٢ / ٣٧١ ، ٤٢٢.