المعنى :
(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً). جاء في كتب الأحاديث والتفاسير ان العاص بن وائل والد عمرو بن العاص لما سمع بذكر البعث قال مستهزئا : لأوتين في الآخرة مالا وولدا .. ولفظ الآية ظاهر في ان زنديقا قال هذا ، أما ذكر الأسماء وتعيين الأشخاص فما هو من طريقة القرآن ، ومثل هذه الآية قول صاحب الجنة : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) ـ ٣٦ الكهف وقد رد سبحانه هذا الزعم بقوله :
(أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) من أين جاءه هذا العلم؟ هل عنده مفاتيح الغيب ، أم أخذ ميثاقا من الله بذلك؟ (كلا) لا هذا ولا ذاك .. انه كافر فاجر (سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا). لقد حفظنا عليه أقواله ، وسنزيده من أجلها عذابا على عذاب جزاء كفره وافترائه.
(وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً) وأيضا سنسلبه ما لديه من مال وولد ، وذلك بموته وإهلاكه ، ونبعثه يوم القيامة وحيدا فريدا تماما كما خلقناه أول مرة (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا) لأن من اعتز بغير الله ألبسه ثوب الذل (سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا). ضمير يكفرون ويكونون يعود الى المعبودين ، وضمير عليهم الى العابدين ، وأوضح تفسير لهذه الآية ما جاء في نهج البلاغة : «عن قليل يتبرأ التابع من المتبوع ، والقائد من المقود ، فيتزايلون بالبغضاء ، ويتلاعنون عند اللقاء». وقال تعالى : (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) ـ ٦٣ القصص. بل كانوا يعبدون أهواءهم وأغراضهم.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا). أي تزعجهم وتهيجهم وتدفع بهم الى المعاصي ، والمعنى ان الله سبحانه يخلي بينهم وبين الشياطين الذين يوسوسون لهم ويغرونهم بالمعاصي ، ولا يتدخل بإرادته التكوينية لردع الشياطين عنهم ، وانما يبين لهم طريق الخير والشر ، ويمنحهم القدرة التامة على الفعل والترك ، وينهاهم عن هذا ، ويأمرهم بذاك ، ويترك لهم الخيار فيما يفعلون ويتركون .. ولو سلبهم الارادة لكانوا والجماد سواء.