عليم ، كما في الآية ١١٢ من سورة الأعراف ، وكلمة ثم أتى تعبّر عن مجيئه بموكبه وابهته الى مكان المباراة في الموعد المعين.
(قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى). تقدم موسى الى السحرة بالنصح والانذار قبل أن يباشروا أي عمل من أعمال السحر ، وحذرهم من عذاب الاستئصال ان أصروا على مخادعة الناس بالتمويه والأكاذيب ، وأفهمهم ان فرعون مهما بلغ من السلطان فانه أضعف من أن يملك لهم نفعا أو ضرا.
(فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى). ضمير فتنازعوا وما بعده يعود الى السحرة ، وتومئ هذه الآية الى ان بعض السحرة قد تأثر بكلمة موسى (ع) أو بعثت في نفسه الشك ـ على الأقل ـ وفي تفسير الطبري ان بعض السحرة قال عن تحذير موسى لهم : ما هذا القول بقول ساحر ، ولا بدع فان الكلام إذا خرج من القلب المخلص أخذ طريقه الى القلوب المخلصة .. تأثر البعض من السحرة بموعظة موسى ، وعارضه البعض الآخر ، وبطبيعة الحال دار الحوار والجدال فيما بينهم : هل يمضون في تحدي موسى بالسحر ، أو ينسحبون من المباراة ، وقد دار هذا الحوار في الخفاء والكتمان عن فرعون وموسى أيضا .. ولكن في النهاية تغلب رأي من أصر على التحدي بدليل ما حكاه الله عن السحرة بقوله :
(قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى). هذا الكلام كله للسحرة ، فضمير قالوا وما بعده يعود اليهم وحدهم ، وهذان اشارة الى موسى وهرون ، ومرادهم بالطريقة المثلى الدين الذي كانوا عليه بدليل ما جاء في الآية ٢٦ من سورة غافر : (وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ). والمعنى ان بعض السحرة قال لبعض : ان موسى وهرون ماهران في فن السحر ، وهما يحاولان التغلب علينا والقضاء على ديننا لتكون لهما السيادة في البلاد ، ويكون أهلها لهما عبيدا وأتباعا ، فعلينا أن نكون يدا واحدة ضدهما ، ونبذل كل جهد لنفوز عليهما ، وتكون الرفعة والمكانة لنا من دونهما في هذا اليوم المشهود ، وإلا فلن تقوم لنا بعده قائمة.