المعنى :
(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ). ضمير بعدهم يعود الى قوم نوح ، والمراد بالقرن هنا الجماعة ، ولم يصرح سبحانه باسمهم ، وقال المفسرون : المراد بهم عاد قوم هود ، وهذا هو الحق بدليل ما ورد في سورة الاعراف : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً ـ الى قوله ـ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) ـ ٦٩». وتقدم الكلام عن هود وقومه في سورة هود من الآية ٥٠ الى ٦٥ ج ٤ ص ٢٣٩ ـ ٢٤١. ولذا نمر بالآيات التي نحن بصددها مرورا خاطفا كما مررنا بالآيات السابقة التي تحدثت عن نوح وقومه.
(فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ). أرسل الله هودا الى عاد ، وهو منهم وفيهم (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ). دعا قومه الى التوحيد ، وترك الشرك مبشرا بمرضاة الله وثوابه ، ومنذرا بغضبه وعذابه (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) وما دام كذلك فلا ميزة له ولا فضل ، فكيف تطيعونه؟ (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) هم الخاسرون ظاهرا وواقعا بمعصيتهم نبي الله ، ولكنهم عكسوا الآية ، وشوهوا الحقيقة ، وهذا هو دأب المترفين الطغاة في كل زمان ومكان.
(أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) من قبوركم أحياء تماما كما أنتم الآن .. ان هذا لشيء عجاب .. (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) من الإحياء بعد الفناء (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) لأن من مات فات ، وهذا بيان وتأكيد لما قبله من استبعادهم البعث بعد الموت ذاهلين ان الذي أنشأهم أول مرة هو الذي يعيدهم ، وان ذلك أهون عليه من الإنشاء ان صح التعبير (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ). لا يؤمنون لهود لأنه بزعمهم لا يتورع عن الكذب على الله ، أما عبادتهم الأصنام فهي عين الإخلاص لله ، والحرص على طاعته وتقوه!!وأخيب الناس سعيا من أساء ، وهو يحسب انه قد أحسن الصنع.
(قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) قال هذا بعد اليأس من هدايتهم (قالَ