وقومه عاقبة البغي والطغيان (قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ). وفي الآية ٤٥ من سورة طه : (إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) أي يعجل علينا بالعقوبة قبل أن نبلغه الرسالة (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ). أمر الله سبحانه موسى أن يحمل رسالته الى فرعون .. وهذا تكليف شاق وعسير لطغيان فرعون وقوة سلطانه من جهة ، ولأن الرسالة بذاتها حمل ثقيل من جهة ، قال تعالى يخاطب نبيه الكريم محمدا (ص) : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) ـ ٥ المزمل. وموسى سريع الغضب للحق ، وفي لسانه عقدة تمنعه من الانطلاق في الكلام ، فخاف ان يقصّر في أداء الرسالة الكبرى والقيام بواجبها .. ولا أحد كالأنبياء يخاف من التقصير في حق الله ، وبالخصوص أولي العزم ، وهذا من العصمة ، ومن ثمّ طلب موسى من الله ان يرسل جبريل الى أخيه هرون ليكون عونا له على هذه المهمة.
(وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ). يشير بهذا الى ما حدث له من قتل الفرعوني حين استغاثه العبري كما في الآية ١٥ من سورة القصص : (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) .. خاف موسى ان هو حمل رسالة الله الى فرعون أن يقتلوه قبل أن يبلغ الرسالة ويفوت الغرض منها ، أما إذا كان معه أخوه هرون ، وحدث ذلك فيقوم مقامه في التبليغ.
(قالَ ـ الله ـ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ). خاف موسى من ضيق الصدر ، وحبس اللسان ، والقتل ، فأمنه الله وقال له : لن يكون شيء من ذلك لأني أنا الناصر لكما والمعين. وتقدم مثله في الآية ٤٦ و ٤٧ من سورة طه.
(قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ، وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ). انطلق موسى وهرون الى فرعون ، ودخلا عليه ، وهما يلبسان مدارع الصوف ، وبيديهما العصي ، ودعواه الى الله ، وشرطا له بقاء ملكه ودوام عزه ان أسلم وأطاع .. وسخر فرعون من هذين اللذين يشترطان له دوام العز وبقاء الملك ، ولا جاه لهما ولا مال .. ولكنه تمالك ، ولم يأمر بقتلهما خشية أن يقال :