الملك نطقا مثل ما انكم تنطقون». وليس من شك ان القرآن حق لا ريب فيه وان جبريل قد نطق به أيضا ، ولكن لم يسبق للقرآن ولا للملك ذكر من أول السورة الى هنا ، والذي ذكر في الآية ١٢ هو يوم الدين ، ثم أشار سبحانه الى ما في الأرض والسماء وأنفسنا من الدلائل على وجود المبدع ، فالأولى إرجاع الضمير الى ذلك كله ، وعلى هذا يكون المعنى انه سبحانه قد أقسم بجلاله ان الله حق والبعث حق ولا ينبغي الشك في ذلك بعد أن قامت عليه الدلائل تماما كما لا ينبغي للإنسان أن يشك فيما نطق به .. وروي ان أعرابيا قال حين سمع هذه الآية : «من الذي أغضب الجليل حتى ألجأه الى اليمين». وليس هذا ببعيد على من نشأ على الفطرة التي ولد عليها.
وبالمناسبة قال أهل اللغة : النطق نوعان : خارجي ، وهو اللفظ ، وداخلي ، وهو الفكر والإدراك ، وقال أهل المنطق في تعريف الإنسان : انه حيوان ناطق أي مفكر ، وقال «ديكارت» : «أنا أفكر وإذن فأنا موجود» وهذه حقيقة بديهية تنفي الشك في وجود المفكر لأنها خرجت منه بالذات ، وعلى هذا فلنا أن نفسر قوله تعالى : (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) بمثل ما انكم تلفظون ، وأيضا لنا أن نفسره بمثل ما انكم تفكرون لأن كلا من وجود التفكير والتلفظ ينفي الشك عن وجود المفكر والمتلفّظ.
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ). كلمة ضيف تستعمل في المذكر والمؤنث والواحد والجماعة ، والمراد بضيف ابراهيم الملائكة الذين جاءوا ليبشروه بإسحاق وإهلاك قوم لوط ، ووصفهم سبحانه بالمكرمين لأنهم كرام عنده وعند عباده المؤمنين (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ). حييوه فردّ التحية ، وقال : هؤلاء أناس لا نعرفهم (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ). أسرع ابراهيم الى عياله وأمرهم أن يهيئوا لضيوفه عجلا سمينا ، وكان ما أراد ونضج العجل (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) ليأكلوا ، فأبوا (قالَ أَلا تَأْكُلُونَ)؟ ولكنهم أصروا على الامتناع لأنهم ليسوا بشرا يأكلوا الطعام (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) لأنه فوجئ بأمر لا يعرف عواقبه ، ولما رأوا ما به (قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ). أعلموه بحقيقة ما جاءوا به من البشارة بإسحاق (فَأَقْبَلَتِ