تباين ما عرفناه وألفناه من المخلوقات ، بل نحن على يقين ان ما نجهل من الكائنات أكثر مما نعلم ، من ذلك وجود الجن ، فقد ذكرهم سبحانه في العديد من آياته ، منها قوله تعالى حكاية عنهم : (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) ١١ الجن. وقد دفع الله بنفر من هؤلاء الصالحين الى الرسول الأعظم (ص) ، واستمعوا اليه وهو يتلو القرآن ، فقال بعضهم لبعض : اسكتوا وتدبروا معانيه ، فسكتوا وأصغوا بإمعان ، ورأوا فيه الهدى والنور فآمنوا به وبمحمد (ص) ، ولما فرغ الرسول من التلاوة سارعوا الى قومهم منذرين ومبشرين بالإسلام.
(قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ). قالوا لقومهم : سمعنا كتابا من محمد (ص) يشبه الكتاب الذي أنزله الله على موسى ، وهو مصدق لما جاء به الأنبياء من الدعوة الى الايمان بالتوحيد والبعث ، وأيضا هو يرشد الى الصواب وعمل الخير : (فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) ، ـ ٣ الجن. ونحن إذا لم نر الجن الذين تأثروا بالقرآن وآمنوا به فقد سمعنا ورأينا الكثير من العلماء والعقلاء تأثروا بكلمات القرآن بمجرد الاستماع اليها ، وآمنوا ايمانا لا يشوبه ريب انه من لدن حكيم عليم.
(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ). استجيبوا الى دعوة الحق ، واتبعوا الداعي اليها يكفّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم في رحمته ، وينجكم من غضبه وعذابه (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ). أبدا لا مهرب من الله إلا اليه ، ولا نجاة من عذابه إلا بالإخلاص والعمل الصالح (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). أولئك اشارة الى الذين لم يستجيبوا لداعي الله ... ومن لم يستجب له فقد نكب عن طريق الحق والرشاد.