يكشف عنها يوم القيامة لكل ناظر ، وتصبح في عالم الشهادة بعد ان كانت في عالم الغيب.
(يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي). قال الناصحون والمنذرون للمجرم المتمرد : اعمل لحياتك في الدنيا والآخرة. فقال : وأية آخرة؟ .. انها وهم وخيال .. ولما جاء يوم الفصل ، ورأى مكانه في جهنم قال : هنا حياتي الباقية ومقري الدائم ، أما الحياة الدنيا فقد كانت ممرا ومجازا .. يا ليتني أخذت من الفانية الى الباقية .. نسي الآخرة وهو في الدنيا حيث تنفعه التوبة والذكرى ، وتذكر وهو في الآخرة .. وانّى له الذكرى؟ (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ). قرئ لا يعذب ولا يوثق بالبناء للفاعل ، وأيضا قرئ بالبناء لمفعول لم يسمّ فاعله ، والمعنى على القراءتين ان أسوأ عذاب من عذاب الدنيا هو عافية إذا قيس بأدنى عذاب من عذاب الآخرة.
(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي). بعد ان ذكر سبحانه النفس الامارة التي لا تطمئن إلا لمصالحها وأهوائها ـ ذكر النفس المطمئنة ، وهي التي آمنت بالله وصغت الى ذكره ، وعملت بأمره ونهيه ، وقد بيّن سبحانه أصحاب هذه النفس بقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) ـ ٢٩ الرعد. ومعنى راضية مرضية انها تحمد أجرها ومقامها عند الله لأن الله حمد سعيها وأعمالها. وقال الشيخ محمد عبده في معنى الرجوع اليه تعالى والدخول في عباده : «الرجوع الى الله تمثيل للكرامة عنده وإلا فإن الله معنا حيث كنا ، والدخول في عباده ان تكون منهم ، والعباد الذين يستحقون نسبة الاختصاص به هم العباد المتقون المكرمون ، والجنة معروفة».