والثاني : أنّ ذلك قد يزيل اللبس في بعض المواضع كقولك : (زيد قام أبوه) لو قلت : (قام أبو زيد) لجاز أن يظن أنّ هذه كنية له لا أنّ له ولدا ؛ فإذا قدمت بطل كونه كنية.
والثالث : أنّ في ذكر الشيء مظهرا ومضمرا تفخيما.
وإنّما وجب أن يكون في الجملة ضمير المبتدأ ؛ لأن الخبر فيهما على التحقيق هو المتبدأ الأخير والأول أجنبيّ منه ، والضمير يربط الجملة بالأوّل حتّى يصير له بها تعلّق ، وإنّما يسوغ حذف هذا الضمير في موضع يعلم أنّه مراد من غير لبس كقولهم : السمن منوان بدرهم وكقوله تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى : ٤٣] أي : إنّ ذلك منه ، ولهذه العلّة جاز حذف الخبر تارة والمبتدأ أخرى وحذف الجملة بأسرها.
فصل : والظرف الواقع خبرا مقدّر بالجملة عند جمهور البصريين وقال بعضهم : هو مقدّر بالمفرد (١).
والدليل على أنّه مقدّر بالجملة من وجهين :
أحدهما : أنّه كالجملة في الصلة كقولك : (الذي خلفك زيد) فكذلك في الخبر.
والثاني : أنّ الظرف معمول لغيره.
والأصل في العمل للأفعال والأسماء نائبة عنها وجعل العمل هنا للفعل أولى ، وإذا أنيب الظرف مناب الفعل دلّ عليه واحتجّ الآخرون من وجهين :
أحدهما : أنّ الأصل في الخبر أن يكون مفردا وحمل الفروع على الأصول أولى.
__________________
(١) يجوز اعتبار شبه الجملة بنوعيه (الظروف والجار مع مجروره) صفة بعد المعرفة المحضة على تقدير متعلقة معرفة. وقد نص على هذا الصبان ـ ج ١ أول باب النكرة والمعرفة ـ حيث قال : «أسلفنا عن الدمامينى جواز كون الظرف (ويراد به فى مثل هذا التعبير : شبه الجملة بنوعيه) بعد المعرفة المحضة صفة ، بتقدير متعلقه معرفة). اه. أى : أن المتعلق المعرفة سيكون هو الصفة لمطابقته الموصوف فى التعريف. ولا مانع أن يكون شبه الجملة نفسه هو الصفة إذا استغنينا به عن المتعلّق تيسيرا وتسهيلا.
وإذا كان شبه الجملة بعد المعرفة المحضة صالحا لأن يكون صفة على الوجه السالف ، وهو صالح أيضا لأن يكون حالا بعدها كصلاحه للوصفية والحالية أيضا بعد النكرة غير المحضة ـ أمكن وضع قاعدة عامة أساسية هى : «شبه الجملة يصلح دائما أن يكون حالا أو صفة بعد المعرفة المحضة وغير المحضة ، وكذلك بعد النكرة بشرط أن تكون غير محضة ـ أو يقال : إذا وقع شبه الجملة بعد معرفة أو نكرة فإنه يصلح أن يكون حالا ، أو صفة : إلا فى صورة واحدة هى أن تكون النكرة محضة ؛ فيتعين أن يكون يعدها صفة ليس غير.