والثاني : أنّ الظرف إذا تقدّم على المبتدأ لم يبطل الابتداء ، ولو كان مقدّرا بالفعل لأبطله.
والجواب : أنّ الأصل في الخبر لا يمكن تقديره ههنا لما بيّنا من أنّ المفرد هو المبتدأ في المعنى والظرف ليس هو المبتدأ ، فعند ذلك نجعل العامل في الظرف ما هو الأصل في العمل لئلّا تقع المخالفة من وجهين ، وأمّا إذا تقدم الظرف ولم يعتمد فلا يبطل الابتداء به ؛ لأنه ليس بفعل على التحقيق بل هو نائب عنه ويصحّ ان يقدّر بعده المبتدأ بخلاف الفعل.
فصل : وإنّما لم يجز الإخبار بالزمان عن الجثّة لعدم الفائدة إذ كانت الجثّة غير مختصّة بزمان دون زمان ألا ترى أنّ قولك : (زيد غدا) إذا أردت مستقرّ ، غدا لا يفيد إذ هو مستقرّ في كلّ زمان وعلم السامع بذلك ثابت.
فلو قلت : يقدّر الخبر بما هو يختصّ به نحو قولك : حي أو غني أو قادم؟
قيل : إنّما يضمر ما عليه دليل ، ولا دليل على واحد من هذه بخلاف قولك : (زيد خلفك والرحيل غدا) فإنّ المحذوف منه الاستقرار والكون والحصول المطلق والظرف يدلّ عليه قطعا.
فأمّا قولهم : (الليلة الهلال) (١) فيروى بالرفع على تقدير : الليلة ليلة الهلال. وبالنصب على تقدير : الليلة طلوع الهلال. أو على أن تجعل الهلال بمعنى الاستهلال وهو من إقامة الجثة مقام المصدر ، وإنّما يكون فيما ينتظر ويجوز أن يكون ويجوز إلا يكون ، فلو قلت في انتهاء الشهر : (الليلة القمر) لم يجز ، وقد يجوز أن تقول : (زيد غدا) إذا كان غائبا وخاطبت من ينتظر قدومه.
فصل : ولا يجوز إظهار العامل في الظرف إذا كان خبرا ؛ لأن ذكر الظرف نائب عنه فلم يجمع بينهما للعلم به ، فأمّا قوله تعالى : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) [النمل : ٤٠] فمستقرّ فيه بمعنى الساكن بعد الحركة لا الاستقرار الذي هو مطلق الكون.
__________________
(١) قال ابن عقيل في شرح الألفية : ظرف المكان يقع خبرا عن الجثة نحو زيد عندك وعن المعنى نحو القتال عندك وأما ظرف الزمان فيقع خبرا عن المعنى منصوبا أو مجرورا بفي نحو القتال يوم الجمعة أو في يوم الجمعة ولا يقع خبرا عن الجثة قال المصنف إلا إذا أفاد نحو الليلة الهلال والرطب شهري ربيع فإن لم يفد لم يقع خبرا عن الجثة نحو زيد اليوم وإلى هذا ذهب قوم منهم المصنف وذهب غير هؤلاء إلى المنع مطلقا فإن جاء شيء من ذلك يؤول نحو قولهم الليلة الهلال والرطب شهري ربيع التقدير طلوع الهلال الليلة ووجود الرطب شهري ربيع هذا مذهب جمهور البصريين وذهب قوم منهم المصنف إلى جواز ذلك من غير شذوذ لكن بشرط أن يفيد كقولك نحن في يوم طيب وفي شهر كذا.