فإنّ لم يعتمد على شيء لم يعمل عند سيبويه وعمل عند الأخفش والكوفيين ، والمبرّد والدليل على أنّه لا يعمل من أربعة أوجه :
أحدهما : أنّ العامل يتخّطّى الظرف فيعمل فيما كان مبتدأ كقولك : إنّ خلفك زيدا ، ولو كان عاملا لم يبطله عامل خلف.
والثاني : أنّك تضمر المبتدأ في الظرف وهو مقدّم كقولك : في داره زيد ، ولو كان عاملا لكان واقعا في رتبته ولزم فيه الإضمار قبل الذكر لفظا وتقديرا (١).
والثالث : أنّ معمول الخبر يجوز أن يتقدّم على المبتدأ كقول الشمّاخ (٢) : [الوافر]
كلا يومي طوالة وصل أروى |
|
ظنون آن مطّرح الظنون |
و (كلا) منصوب الخبر وهو ظنون والمعمول تابع العامل ، والتابع لا يقع موقعا لا يقع فيه المتبوع.
والرابع : أنّ الظرف وحرف الجرّ غير مشتقّين ولا معتمدين فلم يعملا كقولك : هذا زيد ، فإن قالوا : الظريف نائب عن الفعل فيعمل عمله. فقد أجبنا عنه في المسألة السابقة.
فصل : فإن كان الخبر استفهاما لزم تقديمه ؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام إذ كان معناه فيما بعده ، ولو قدّمت المستفهم عنه على الاستفهام لعكست المعنى ، فأمّا قولهم : (صنعت ماذا) ف (ما) غير معمولة ل (صنعت) هذه ، والتقدير : (أصنعت) ثم حذفت همزة الاستفهام ثم أتيت ب (ما) دالّة عليها و (ما) منصوبة بفعل آخر استغني عنه بالمذكور.
__________________
(١) الأصل ألا يعود الضمير على متأخر لفظا (أما أن يعود على متأخر لفظا فقط فجاز في جميع الأحوال نحو «في داره زيد» فالهاء تعود على زيد في اللفظ في الرتبة ، فرتبة زيد التقديم لأنه مبتدأ). ورتبة («الرتبة» هي أن الأصل في الفاعل ونائبه التقدم على المفعول به ، والمبتدأ مقدم على الخبر ، ورتبته الجار والمجرور والظرف بعد المفعول به ، ومثل ذلك اسم «إن» و «كان» وهكذا.) ، وقد يعود ، وذلك إذا كان الضمير مبهما محتاجا إلى تفسير.
(٢) الشماخ الذبياني : (ت ٢٢ ه / ٦٤٢ م) هو الشماخ بن ضرار بن حرملة بن سنان المازني الذبياني الغطفاني. شاعر مخضرم ، أدرك الجاهلية والإسلام ، وهو من طبقة لبيد والنابغة. كان شديد متون الشعر ، ولبيد أسهل منه منطقا ، وكان أرجز الناس على البديهة. جمع بعض شعره في ديوان. شهد القادسية ، وتوفي في غزوة موقان. وأخباره كثيرة. قال البغدادي وآخرون : اسمه معقل بن ضرار ، والشماخ لقبه.