والثاني : أنّهم جعلوا النون في الأمثلة الخمسة علامة رفع الفعل مع حيلولة الفاعل بينهما ، ولو لا أنّه كجزء من الفعل لم يكن كذلك.
والثالث : أنّهم لم يعطفوا على الضمير المتّصل المرفوع من غير توكيد لجريانه مجرى الحرف من الفعل واختلاطه به.
والرابع : أنّهم وصلوا تاء التأنيث بالفعل دلالة على تأنيث الفاعل فكان كالجزء منه.
الخامس : أنّهم قالوا : (ألقيا) و (قفا) مكان : (ألق ألق) ولو لا أنّ ضمير الفاعل كجزء من الفعل لما أنيب منابه.
السادس : أنّهم نسبوا إلى (كنت) : (كنتي) ولو لا جعلهم التاء كجزء من الفعل لم يبق مع النسب.
السابع : أنّهم ألغوا : (ظننت) إذا توسّطت أو تأخّرت ولا وجه لذلك إلا جعل الفاعل كجزء من الفعل الذي لا فاعل له ومثل ذلك لا يعمل.
الثامن : امتناعهم من تقديم الفاعل على الفعل كامتناعهم من تقديم بعض حروفه (١).
والتاسع : أنّهم جعلوا : (حبّذا) بمنزلة جزء واحد لا يفيد مع أنّه فعل وفاعل.
والعاشر : أنّ من النحويّين من جعل : (حبّذا) في موضع رفع بالابتداء وأخبر عنه والجملة لا يصحّ فيها ذلك إلا إذا سمّي بها.
والحادي عشر : أنّهم جعلوا : (ذا) في : (حبذّا) بلفظ واحد في التثنية والجمع والتأنيث كما يفعل ذلك في الحرف الواحد.
والثاني عشر : أنّهم قالوا في تصغير (حبّذا) : (ما أحيبذه!) فصغروا الفعل وحذفوا منه إحدى البائين ومن الاسم الألف ، والعرب تقول : لا تحبّذه عليه فاشتقّ منهما.
__________________
(١) عند الكوفيين يجوز تقديم الفاعل تمسّكا بنحو قول الزّباء :
ما للجمال مشيها وئيدا |
|
أجندلا يحملن أم حديدا |
يرفع «مشيها» على أنّه فاعل ل : «وئيدا» وهو ـ عند البصريين ـ ضرورة ، أو «مشيها» مبتدأ حذف خبره ، لسد الحال مسدّه ، أي : يظهر وئيدا.