فصل : والعامل فى الفاعل الفعل المسند إليه وهذا أسدّ من قولهم : العامل إسناد الفعل إليه ؛ لأن الإسناد معنى والعامل هنا لفظيّ ، والذي ذكرته هو الذي أرادوه ؛ لأن الفعل لا يعمل إلا إذا كان له نسبة إلى الاسم فلمّا كان من شروط عمل الفعل الإسناد والنسبة تجوّزوا بما قالوا : والحقيقة ما قلت.
وقال خلف الكوفيّ : العامل في الفاعل الفاعليّة ، والدليل على فساد قوله من أربعة أوجه :
أحدها : أنّ (إنّ) عاملة بنفسها وهي نائبة عن الفعل فعمل الفعل بنفسه أولى.
والثاني : أنّ الفعل لفظ مختصّ بالاسم والاختصاص مؤثّر في المعنى فوجب أن يؤثّر في اللفظ كعوامل الفعل.
والثالث : أنّ الموجب لمعنى الفاعلية هو الفعل فكان هو الموجب للعمل في اللفظ.
والرابع : أنّ الاسم قد يكون في اللفظ فاعلا ، وفي المعنى مفعولا به كقولك : مات زيد ، ومفعولا في اللفظ وهو في المعنى فاعل كقولك : تصبّب زيد عرقا ، ولو كان العامل هو المعنى لانعكست هذه المسائل.
فصل : وإنّما أعرب الفاعل بالرفع (١) لأربعة أوجه :
أحدها : أنّ الغرض الفرق بين الفاعل والمفعول ، فبأيّ شيء حصل جاز.
والثاني : أنّ الفاعل أقلّ من المفعول والضمّ أثقل من الفتح ، فجعل الأثقل للأقلّ والأخف للأكثر تعديلا.
والثالث : أنّ الفاعل أقوى من المفعول إذا كان لازما لا يسوغ حذفه ، والضّمة أقوى الحركات فجعل له ما يناسبه.
__________________
(١) الأصل في الفاعل الرفع ، وقد يجرّ لفظا بإضافة المصدر نحو : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) (الآية «٢٥١» من سورة البقرة) أو بإضافة اسم المصدر نحو قول عائشة (رض) «من قبلة الرّجل ـ امرأته الوضوء» (القبلة : مصدر قبل و «الرجل» فاعله وهو مجرور لفظا بالإضافة و «امرأته» مفعول به «الوضوء» مبتدأ مؤخر وخبره «من قبلة الرجل»).
أو يجر ب «من» أو «الباء» أو «اللام» الزوائد ، نحو : (أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ) (الآية «١٩» من سورة المائدة) أي ما جاءنا من بشير ، و (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) (الآية «٧٩» من سورة النساء) أي كفى الله ، (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) (الآية «٣٦» من سورة المؤمنون). أي هيهات ما توعدون.