والرابع : أنّ الفاعل قبل المفعول لفظا ومعنى ؛ لأن الفعل يصدر منه قبل وصوله إلى المفعول فجعل له أوّل الحركات وهو الضّمّة.
فصل : وإنّما لم يجز أن تكون الجملة فاعلا لثلاثة أوجه (١) :
أحدها : أنّ الفاعل كجزء من الفعل ولا يمكن جعل الجملة كالجزء لاستقلالها.
والثاني : أنّ الفاعل قد يكون مضمرا ومعرفة بالألف واللام وإضمار الجملة لا يصحّ والألف واللام لا تدخل عليها.
والثالث : أنّ الجملة قد عمل بعضها في بعض ، فلا يصحّ أن يعمل فيها الفعل لا في جملتها ولا في أبعاضها إذ لا يمكن تقديرها بالمفرد هنا.
فصل : والأصل تقديم الفاعل على المفعول ؛ لأنه لازم في الجملة جار مجرى جزء من الفعل ، والمفعول قد يستغنى عنه ، والفاعل يصدر منه الفعل ثمّ يفضي إلى المفعول به بعد ذلك ، إلا أنّ تقديم المفعول جائز لقوّة الفعل بتصرفّه ، والحاجة إلى اتساع الألفاظ ، فإن خيفّ اللبس لم يجز التقديم مثل أن يكون الفاعل والمفعول لا يتبيّن فيهما إعراب ، فإن وصف أحدهما أو عطف عليه ما يفصل بينهما جاز التقديم.
__________________
(١) قال ابن هشام في شرح الشذور : لا يكونان جملة هذا هو المذهب الصحيح وزعم قوم أن ذلك جائز واستدلّوا بقوله تعالى (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ)(وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ)(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) فجعلوا جملة ليسجننه فاعلا ل (بدا) وجملة (كيف فعلنا بهم) فاعلا ل (تبين) وجملة (لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) قائمة مقام فاعل ولا حجة لهم في ذلك أما الآية الأولى فالفاعل فيها ضمير مستتر عائد إمّا على مصدر الفعل والتقدير : ثم بدا لهم بداء كما تقول بدالي رأي ويؤيد ذلك أن اسناد بدا الى البداء قد جاء مصرّحا به في قول الشاعر
لعلّك والموعود حقّ لقاؤه |
|
بدا لك في تلك القلوص بداء |
وإما على السّجن بفتح السين المفهوم من قوله تعالى (لَيَسْجُنُنَّهُ) ويدلّ عليه قوله تعالى (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) وكذلك القول في الآية الثانية أي وتبين هو أي التبيّن وجملة الاستفهام مفسّرة وأما الآية الثالثة فليس الإسناد فيها من الإسناد المعنوي الذى هو محلّ الحلاف وانما هو من الإسناد اللفظي اللفظي أي وإذا قيل لهم هذا اللفظ والإسناد اللفظىّ جائز في جميع الألفاظ كقول العرب زعموا مطيّة الكذب وفي الحديث لا حول ولا قوّة الّا بالله كنز من كنوز الجنّة.