أحدها : أنّ الفعل يصل إليه بنفسه كما يصل إلى الفاعل بخلاف الظرف.
والثاني : أنّ المفعول به شريك الفاعل ؛ لأن الفاعل يوجد الفعل والمفعول به يحفظه.
والثالث : أنّ المفعول في المعنى قد جعل فاعلا في اللفظ كقولك : مات زيد ، وطلعت الشمس ، وهما في المعنى مفعول بهما بخلاف الظرف.
والرابع : أنّ من الأفعال ما لم يسمّ فاعله بحال نحو : عنيت بحاجتك ، وبابه ولم يسند إلا إلى مفعول به صحيح فدلّ على أنّه أشبه بالفاعل.
وقال الكوفيّون : يجوز إقامة الظرف مقام الفاعل وإن كان معه مفعول صحيح ؛ لأنه يصير مفعولا به على السعة وهذا ضعيف لما ذكرنا.
فصل : وأمّا إقامة المصدر مقام الفاعل مع المفعول به فللبصريّون فيه مذهبان :
أحدهما : لا يجوز ؛ لأن المصدر يصل إليه في المعنى فهو غير لازم بخلاف المفعول به. والآخر يجوز ؛ لأن الفعل يصل إليه بنفسه واحتجّوا على ذلك بقرأءة أبي جعفر المدنيّ : (لِيَجْزِيَ قَوْماً) [الجاثية : ١٤] أي : ليجزى الجزاء قوما ، وبقراءة عاصم : (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء : ٨٨] أي : نجي النجاء ، وبقول جرير :
فلو ولدت فقيرة جرو كلب |
|
لسبّ بذلك الكلب الكلابا |
وهذا ضعيف لما ذكرنا ، والقراءتان ضعيفتان على أنّ قراءة عاصم فيها وجه آخر يخرجها من هذا الباب ، وهو يكون أن الأصل : (ننجي) ثمّ أبدل النون الثانية جيما وأدغمها ، وأمّا قراءة أبي جعفر فعلى تقدير : (لنجزي الخير قوما) فالخير مفعول به وهذا الفعل يتعّدىّ إلى مفعولين وأضمر الأوّل لدلالة الثاني عليه ، وأمّا البيت فقد حمل على ما قالوا وحمل على وجه آخر ، وهو أن يكون التقدير : فلو ولدت قفيرة الكلاب ياجرو كلب لسبّ ، أي : جنس الكلاب.
فصل : وإنّما جاز إقامة حرف الجرّ والظرف والمصدر ـ أيّها شئت ـ مقام الفاعل لتساويها في ضعفها عن المفعول به ، وإنّما يقام الظرف مقام الفاعل إذا جعل مفعولا على السعة ؛ لأنه إذ كان ظرفا كان حرف الجرّ مقدّرا معه وهو : (في) ، و (في) يقع فيها الفعل لا بها ولأنّ الفعل