فكذلك إذا تقدّم معموله وكلّ موضع لا ينتصب فيه خبر (ما) لا تدخل عليه الباء كما لا يدخل على خبر المبتدأ ، فإن قلت : (طعامك ما زيد آكلا) لم يجز نصبت الخبر أو رفعته ؛ لأن (ما) لها صدر الكلام وأجاز ذلك الكوفيّون وقاسوه على : (لا) و (لم) و (لن) ، وقد بيّنا فيما تقدّم أنّ (ما) أصل حروف النفي فلا يسوّى بينهما.
فصل : فإن قلت : (ما إن زيد قائم) بطل عملها لوجهين :
أحدهما : أنّ (ما) كفّت (إنّ) عن العمل فتكفّها عن عملها اقتصاصا.
والثاني : أنّ (ما) للنفي و (إن) تكون للنفي ، والنفي إذا دخل على النفي صار إثباتا فكذلك لفظ النفي وإن لم ترد به النفي.
فصل : ومن العرب من يعمل (لا) عمل (ما) لاشتراكهما في المعنى ، ومنه قول الشاعر (١) : [مجزوء الكامل]
من صدّ عن نيرانها |
|
فأنا ابن قيس لا براح |
أي : لا لي براح كقولك : مالي ، وقال العجّاج (٢) : [من الرجز]
__________________
ـ والتقدير الزم رفعك معطوفا بلكن أو ببل إلى آخره. ، وإنما وجب الرفع لكونه خبر مبتدأ مقدر. ولا يجوز نصبه عطفا على خبر ما لأنه موجب وهي لا تعمل في الموجب ، تقول ما زيد قائما بل قاعد ، وما عمرو شجاعا لكن كريم ، أي بل هو قاعد ولكن هو كريم. فإن كان العطف بحرف لا يوجب كالواو والفاء جاز الرفع والنصب نحو ما زيد قائما ولا قاعد ولا قاعدا. والأرجح النصب.
(١) البيت من شعر ابن نباتة المصري : (٦٨٦ ـ ٧٦٨ ه / ١٢٨٧ ـ ١٣٦٦ م) وهو محمد بن محمد بن محمد بن الحسن الجذامي الفارقي المصري أبو بكر جمال الدين. شاعر عصره ، وأحد الكتاب المترسلين العلماء بالأدب ، أصله من ميافارقين ، ومولده ووفاته في القاهرة.
وهو من ذرية الخطيب عبد الرحيم بن محمد بن نباتة. سكن الشام سنة ٧١٥ ه وولي نظارة القمامة بالقدس أيام زيارة النصارى لها فكان يتوجه فيباشر ذلك ويعود. ورجع إلى القاهرة سنة ٧٦١ ه فكان بها صاحب سر السلطان الناصر حسن.
وأورد الصلاح الصفدي في ألحان السواجع ، مراسلاته معه في نحو ٥٠ صفحة. له (ديوان شعر ـ ط) و (سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ـ ط). (سجع المطوق ـ خ) تراجم وغيرها.
(٢) العجاج : (ت ٩٠ ه / ٧٠٨ م) وهو عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر السعدي التميمي أبو الشعثاء