أحدهما : أنّها أشبهت الحروف إذ كان لها معنى فى غيرها وهو الدلالة على قرب الفعل الواقع بعدها ، وحكم الفعل أن يدلّ على معنى فينفسه وشبهها بالحرف يوجب جمودها كما أنّ الحرف جامد.
والثاني : أنّها تشبه (لعلّ) فى الطمع والإشفاق فتلزم صيغة واحدة ك (لعلّ).
فصل : إذا وقع الفعل الذي دلّت عليه (عسى) بعد الاسم كان موضعه نصبا كقولك : عسى زيد أن يقوم. وقال الكوفيّون : موضعه رفع على أنّه بدل ممّا قبله.
والدليل على القول الأوّل من وجهين :
أحدهما : أن (زيدا) هنا فاعل (عسى) ومعناها قارب زيد فيقتضي مفعولا وهو قولك : (أن يقوم).
والثاني : أنّ (عسى) دلّت على معنى في قولك : (أن يقوم) كما دلّت (كان) على معنى في الخبر فوجب أن يكون منصوبا كخبر (كان) يشهد له قول الشاعر (١) : [الرجز]
أكثرت في العذل ملحّا دائما |
|
لا تلحني إنّي عسيت صائما |
ومنه المثل : (عسى الغوير أبؤسا) ولا يصحّ أن يقدّر ب (أن يكون أبوسا) لما فيه من حذف الموصول وإبقاء صلته ولا يصحّ جعله بدلا لثلاثة أوجه :
أحدها : أنّ البدل لا يلزم ذكره وهذا يلزم ذكره.
والثاني : أنّه في معنى المفعول والخبر الذي دلّت عليه (عسى) ، وليس هذا حكم البدل.
والثالث : أنّه قد جاء الفعل الذي دلّت عليه (عسى) وإبدال الفعل من الاسم لا يصحّ.
فصل : وإنّما كان خبر عسى فعلا مستقبلا ؛ لأنها تدل على المقاربة ، والمقاربة في الماضي محال ؛ لأنه قد وجد ولم يكن اسما إذ لا دلالة للاسم على الاستقبال ، وإنّما لزمت فيه (أن)
__________________
(١) البيت من شعر رؤبة بن العجاج : (١٤٥ ه / ٧٦٢ م) وهو رؤبة بن عبد الله العجاج بن رؤبة التميمي السعدي أبو الجحّاف أو أبو محمد. راجز ، من الفصحاء المشهورين ، من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. كان أكثر مقامه في البصرة ، وأخذ عنه أعيان أهل اللغة وكانوا يحتجون بشعره ويقولون بإمامته ف اللغة ، مات في البادية ، وقد أسنّ.
وفي الوفيات : لما مات رؤبة قال الخليل : دفنا الشعر واللغة والفصاحة.