والثاني : أنّ هذه الأمكنة لّما أريد بها المبالغة ولم يقصد بها أمكنة معيّنة محدودة صارت كالأمكنة المبهمة.
مسألة : تقول : (دخلت البيت بغير في) واختلف النحويّون فيه فقال سيبويه : هو لازم ، وإنّما حذفت (في) تخفيفا لكثرة الاستعمال. وقال الجرميّ : هو متعدّ مثل : (بنيت) و (عمرت) ونحو ذلك.
أحدها : أنّه لو كان متعدّيا هنا لكان متعديا في كلّ موضع صحّ معناه فيه ، وليس الأمر على ذلك ألا ترى أنّك تقول : دخلت في هذا الأمر ، ولو قلت : دخلت الأمر ، لم يستقم مع أنّ معناه لابست الأمر ووليته.
والوجه الثاني : أنّك تقول دخلنا في شهر كذا و (في) هنا غير زائدة لأنّهم لم يستعملوه بغير : (في) ولأنّ الأصل إلا يزاد حرف الجرّ.
والثالث : أنّ مصدر دخلت : (الدخول) وكلّ مصدر كان على : (فعول) ففعله لازم كالجلوس والقعود.
والرابع : أنّ نظيره : (غرت وغصت وغبت) وكلّها لازم ونقيضه : (خرجت) وهو لازم أيضا ، وذلك يؤنس بكون : (دخلت) لازما.
فصل : يجوز أن يجعل ظرف الزمان والمكان مفعولا به على السّعة وتظهر فائدته في موضعين :
أحدهما : أن تضيف إليه كقولهم : [الرجز]
يا سارق الليلة أهل الدار
كما تقول : (يا سارق ثوب زيد) ولا يجوز أن يكون هنا ظرفا ؛ لأن (في) مع الظرف مقدّرة وتقدير (في) يمنع الإضافة.
والثاني : أنّك إذا أخبرت عنه ـ وهو مفعول به ـ لم تأت بحرف الجرّ مع ضميره كقولك : يوم الجمعة سرته ، فإن جعلته ظرفا قلت : سرت فيه.