والتحقيق : أنّ هذا نائب عن الحال ، وليس بها ، بل التقدير أرسلها معتركة ثم جعل الفعل موضع اسم الفاعل لمشابهته إياه فصار : (تعترك) ثمّ جعل المصدر موضع الفعل لدلالته عليه ويدلّ على ذلك أنّ الحال وصف وصيغ الأوصاف غير صيغ المصادر.
ومن ذلك رجع عوده على بدئه ففي هذه المسألة الرفع والنصب ، ففي الرفع وجهان :
أحدهما : هو فاعل (رجع).
والثاني : هو مبتدأ و (على بدئه) الخبر.
وأمّا النصب ففيه قولان :
أحدهما : هو مفعول به ، أي : ردّ عوده وأعاده كقوله تعالى : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ) [التوبة : ٨٣].
والثاني : هو حال ، والتقدير : رجع عائدا ثمّ يعود ، ثمّ عوده كما تقدّم ومثل ذلك : (افعله جهدك) أي : مجتهدا ، ثمّ يجتهد قثّم ثمّ جهدك.
ومن ذلك : (كلّمته فاه إلى فيّ) تقديره : مكافحا أو مشافها ثمّ حذف هذا وجعل : (فاه إلى فيّ) نائبا عنه ويجوز : (فوه إلى فيّ) والجمله على هذا حال.
ومن ذلك مجيء صاحب الحال نكرة كما جاء في الحديث : «فجاء رسول الله على فرس سابقا» في قول من جعله حالا من الفرس ، فإن كانت الرواية هكذا أمكن أن يكون (سابقا) حالا من الفاعل ، وإن كانت الرواية لا يمكن فيها ذلك حمل على مجيء الحال من النكرة ، والفرق بينها وبين الصفة أنّك لو قلت : على فرس سابق ، فجررت جاز أن يكون معروفا بالسبق ، ولا يكون سابقا في تلك الحال وإن نصبت لزم أن يكون سبق في تلك الحال.
ومن ذلك وقوع الجامد حالا كقولك : بيّنت له حسابه بابا بابا ، والتقدير : بيّنته مفصلا.
ومن ذلك الحال المؤكدة كقوله تعالى : (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) [البقرة : ٩١] وقول الشاعر (١) : [البسيط]
أنا ابن دارة معروفا بها نسبي |
|
فهل بدارة يا للنّاس من عار |
__________________
(١) البيت للشاعر سالم بن دارة.