وإنّما كانت هذه الحال مؤكّدة ؛ لأن الحق لا يكون إلا مصدّقا للحق ، وإنّما جيء بها لشدّة توكيد الحقّ بالتصريح المغني عن الاستنباط والعامل في هذه الحال ما في الجملة من معنى الفعل ، تقديره وهو الثابت مصدّقا وصاحب الحال الضمير في ثابت.
فصل : والعامل في الحال ضربان : فعل ومعنى فعل ، فالفعل مثل : أقبل وجاء ونحوهما ، فهذا يجوز فيه تقديم الحال على صاحبها وعلى العامل فيه ؛ لأن العامل قويّ متصرّف والحال كالمفعول.
وقال الفرّاء : لا يجوز تقديمها لما يلزم من تقديم الضمير على ما يرجع إليه وهذا ليس بشيء ؛ لأن النيّة به التأخير فيصير كقولهم : في أكفانه لفّ الميت ، ومنه قوله تعالى : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) [طه : ٦٧].
وأمّا العامل المعنويّ فكأسماء الإشارة كقولك : هذا زيد قائما ، وإنّما عمل لأن معناه أنبّه ، وأشير إليه في حال قيامه ولا يتقدم الحال على هذا العامل ؛ لأنه غير متصرف والتقديم تصرّف فلا يستفاد بغير متصرّف (١).
وأما تقديمها على صاحب الحال فجائز كقولك : هذا قائما زيد ؛ لأنها بعد العامل.
فإن قيل : هلّا عملت أسماء الإشارة في المفعول به؟
قيل : المفعول به غير الفاعل ، فلو عملت فيه أسماء الإشارة بمعناها لعملت فيه جميع الحروف نحو : (ما) و (همزة الاستفهام) ومعلوم أنّها لا تعمل فيه.
والعلّة في ذلك : أنّ معنى الحرف في الاسم ، فلو عمل فيه بمعناه لصار العامل في الاسم المعنى القائم به ولأنّ الحروف نابت عن الجمل ، فلو عملت كانت كالجمل.
فأمّا عمل المعنى في الحال فلأنّها تشبه الظرف إذ كانت تقدّر ب (في) إلا أنّ الظرف قد يتقدم على العامل المعنويّ بخلاف الحال والفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أنّ الحال تشبه المفعول به إذ كانت ظرفا على الحقيقة.
__________________
(١) يعمل في المفعول المطلق أحد ثلاثة عوامل الفعل التام المتصرّف ، نحو «أتقن عملك إتقانا» ، والصفة المشتقّة منه ، نحو «رأيته مسرعا إسراعا عظيما» ، ومصدره ، نحو «فرحت باجتهادك اجتهادا حسنا» ، ومنه قوله تعالى (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً).